الكمال بتتالي القرون إلى ختم الدين والرسالة ، فهو عليهالسلام كان مصدّقا للتوراة ، وقد زاد على ما فيه بعض ما يصلح للزيادة في زمانه ، وكان مبشّرا برسول يكمل الله به دينه ويختم أمره ، لكونه أقرب اولي العزم منه ، وقد ذكره الله في كتبه كما قال : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ). (١)
وله ـ عليهالسلام ـ من المقامات العامّة المشتركة : مقام العبوديّة ، وأنّه من الشهداء ومن الصالحين ومن المقرّبين ، وقد حباه الله تعالى بالسلام والبركة والوجاهة ـ صلّى الله على نبيّنا وآله وعليه ـ.
وأمّا وفاته ـ عليهالسلام ـ فقوله سبحانه في هذه السورة : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ* إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، وإن كان ظاهرا في أنّه تعالى أخذه عليهالسلام من بينهم إليه وبتّر مكرهم وحيلتهم فيه ، لكن يمكن توجيهه بما يوافق الموت العادي لمكان قوله : (مُتَوَفِّيكَ). لكن قوله في سورة النساء : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ، (٢) يكذّب ذلك وينفي أن يكون ما شاهدوه من قتل عيسى وصلبه على حقيقته ولم يقع له عليهالسلام غير ذلك من وقائع القتل أو الموت ، فهم قد فقدوه وأخذوا بغيره وأنّ الله رفعه إليه ، وقوله هاهنا : (مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ). يعطي أنّه وقع عليه التوفّي ، وأمّا أين صار عليهالسلام بعد توفّيه؟
__________________
(١). الأعراف (٧) : ١٥٧.
(٢). النساء (٤) : ١٥٧ ـ ١٥٨.