نعم ، بناء الإنسان على الاجتماع والعدل بناء اضطراريّ أنتجه الاصطلاح المذكورة ومن هنا يعلم أنّ الاختلاف بين أفراد هذا النوع ضروريّ ؛ فإنّ الفرد من هذا النوع يحكم بوجوب حيازة الخير لنفسه أوّلا ولنوعه ثانيا ، والاختلاف في قوى الأفراد ضروريّ لاختلاف الموادّ ، وحكم الأمثال أيضا واحد.
وبالجملة : فهذا النوع لا يزال يزداد عددا من جانب ، ومدنيّة وحضارة وفكرا وعلوما بالاجتماع من جانب ، وهذا هو الذي إذا طالعناه ـ ورجعنا في مطالعته القهقرى زمانا فزمانا وقرنا قبل قرن ـ وجدنا هذا النوع يأخذ في قلّة العدد والعلم ، فيقلّ عددا وعلما وحضارة ، فربّما بلغ به القلّة إلى أن ينتهي إلى ذكر وأنثى ، أو استئصال بآفة وبليّة عامّة لا تبقي منه إلّا النزر القليل ، لكنّ القرآن ينصّ على وقوفه في ذكر وانثى وهو آدم وزوجته.
وأمّا العلم والحضارة ، فيشبه أن يكون الإنسان الأوّلي موجودا ساذجا في حياته ومعيشته ، ليس عنده من العلوم إلّا الضروريّات وشيء يسير من النظريّات ، ثمّ لم يزل يرقى درجة فدرجة إلى أن بلغ المبلغ الحاضر ، والله أعلم [ب] ما ينتهي به الحال في المآل.
وهذا المعنى هو الذي تنبئ عنه الآية : أنّ الناس كانوا جماعة ساذجين ، لم يظهر فيهم حكم اختلاف الاستعدادات ، ولم تشتعل بعد نار فطرتهم الوقّادة ، ولم يتنبّهوا لما لهم من الكمال الاخرويّ المستتبع للكمال الدنيويّ ؛ حتّى ظهر بينهم الاختلاف في مزايا الحياة الدنيويّة ذاك الاختلاف الاجتماعي ، فاستعدّوا لتلقين المعارف الإلهيّة بالتبشير والإنذار عند ذلك (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) فالآية كما ترى تعلّل إنزال الكتاب بوجود الاختلاف ، وتجعله مقارنا لبعث