وعند هذا يتمّ معنى قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، ويتبيّن صحّة أن يحمل الحسنة والسيّئة على ما يشمل الحقائق الخارجيّة والأعمال الحسنة والسيّئة من الطاعات والمعاصي من غير لزوم التفرقة بين الآيتين بحمل الحسنة والسيّئة في الآية الاولى على النعم والنقم والمصائب والنوائب الخارجيّة ، وحملهما في الثانية على الطاعات والمعاصي ؛ إذ قد عرفت أنّ الجميع تشتمل على جهات وجوديّة مفاضة من الله سبحانه ، وأمور عدميّة مستندة إلى غيره تعالى.
وقد بان من ذلك أنّ لله سبحانه تأثيرا في كلّ ما يصدق عليه أنّه شيء ، حتّى في مرتبة الأفعال من الطاعات والمعاصي ، فقد تبيّن أنّ فيها جهة بها تستند إلى الله سبحانه ، وهي جهة الوجود ، وجهة اخرى بها تستند إلى الموضوعات ، وهي جهة النقص وحيثيّة العدم ، وهذا هو المسمّى بالقدر ، وسيجيء بيانه إن شاء الله وبيان الروايات الواردة فيه عند قوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١) في سورة القمر.
وقد بان أيضا أنّ مبدأ المصائب التي تستقبل الإنسان هو الإنسان نفسه ، وهذا من الحقائق المستفادة من كلامه سبحانه.
فمنها : البليّات والنوائب التي تستند إلى السيّئات والمعاصي ، سواء كانت دنيويّة أو أخرويّة ، والآيات متكاثرة فيها ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢) ، وقوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي
__________________
(١). القمر (٥٤) : ٤٩.
(٢). الأعراف (٧) : ٩٦.