وفي الكافي والتهذيب : عن الباقر ـ عليهالسلام ـ : إنّما يحلّ [له] منهنّ نكاح البله (١).
أقول : والروايتان كما ترى تقضيان بعدم النسخ ، وتؤيّدهما ما تقدّمت من الروايات في أول السورة ؛ أنّ سورة المائدة من آخر ما نزلت على النبيّ فنسخت ما قبلها ولم تنسخها شيء ، على أنّ قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) (٢) ، في سورة البقرة ، وهي أوّل سورة نزلت بالمدينة وقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٣) في سورة الممتحنة ، وقد نزلت قبل فتح مكة.
والذي يمكن أن يقال : إنّ قوله سبحانه : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ). كقوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) ، قيّد فيهما الحكم بالجملة الدالّة على الوصف ، ولم يعبّر بأهل الكتاب ، وفي ذلك إشعار بالتعليل وأنّ عطاء معارف الكتب السماويّة لهم يوجب تقاربا وامتزاجا في البين ، ربّما أوجب ارتفاع بعض التشديد في الإجتناب عنهم ، وقد أكّد هذا التقريب في قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، حيث قيّد بقوله (مِنْ قَبْلِكُمْ) وفيه إشعار واضح بالخلط والمزج والتشريك ، واللسان لسان الامتنان ، والسياق سياق التسهيل ، فالآية آبية اللسان عن النسخ بمثل قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) (٤) ، وقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٥) حيث أخذ فيها الشرك والكفر ، فلا تعرّض في لسانيهما بالمستضعف منهنّ ولا
__________________
(١). الكافي ٥ : ٣٥٧ ؛ تهذيب الأحكام ٧ : ٢٩٩.
(٢). البقرة (٢) : ٢٢١.
(٣). الكافي ٥ : ٣٥٨ ؛ والآية من سورة الممتحنة (٦٠) : ١٠.
(٤). البقرة (٢) : ٢٢١.
(٥). سورة الممتحنة (٦٠) : ١٠.