الموجودة عنده ، فبالضرورة كلّ موجود يروم بفطرته نحو الهدف الذي خطّت له الخلقة ومتحرّك نحو الغاية التي وضعتها له يد المصنع ، وليس يروم نحو شيء خارج عن دائرة كماله التي خطّت له ، ولو عثرت على شيء ممّا يوهم خلاف ذلك فبالتأمّل والبحث يستوضح فيتّضح الحقّ فيه.
والإنسان من جملة الموجودات التي يناله الحسّ وإن كان أوسعها أفعالا وأبعدها منالا ، فإنّ حاله كحال سائر الموجودات لا يروم إلى كمال إلّا وعنده مبدأ يقتضيه ويستدعيه ، ولا يتجاوز قصده وسعيه ذلك ألبتّة ، فأعظم الدليل على لزوم سعيه نحو كماله الخاصّ به هو أنّ الخلقة وضعت مبادىء ملائمة له فيه ونظمت تركيبه نظما يستدعيه ، فأيّ برهان أقطع على لزوم الأكل والنكاح له مثلا من أنّ نظام بدنه مجهّز بجهازي التغذّي والتناسل.
هذا ، وإذ كان الدين الحنيف موضوعا على أساس الفطرة كما قال : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (١) ، فما لا تستغني الفطرة عنه ممّا أخذ مبدأه فيها على اختلاف لزومه وجوازه فردا أو جماعة هو الواجب والمباح ، وما يضادّها أو يقتضي ما يعود إلى اضمحلالها واستئصالها هو المحرّم ، والشريعة إنّما هي لتحديد حدودها وتفصيل الخصوصيّات الموجودة فيها على إبهامها وإجمالها بتمييز المصلحة من المفسدة والنافعة من الضارّة كما قال ـ صلىاللهعليهوآله ـ فيما روي عنه : «بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق» (٢) ، الحديث ، فخصوصيّات التشريع تكشف عن خصوصيّات
__________________
(١). الروم (٣٠) : ٣٠.
(٢). مستدرك الوسائل ١١ : ١٨٧ ، الحديث : ١٢٧٠١ ؛ مكارم الأخلاق : ٨ ؛ بحار الأنوار ٦٧ : ٣٧٢ ؛ ٦٨ : ٣٨٢.