يسعد بكمال كل تربية نوعية بعض دون بعض ، فهي سعادة الجدّ والهمّة ، ليست بتلك المبذولة المرخّصة ، وغاية ما يمكن من تعميم هذه السعادة ماهية الإسلام إذ وضع صراطا مستقيما يستوي فيه الشريف والوضيع ، والعالي والداني ، والعالم والجاهل ، طريقا ذا درجات ، وشريعة ذا طبقات ، يرد عليها كل بحسب جدّه وهمّته ، ويأخذ منها كل على قدر قابليّته ، هذا.
وأمّا مسألة خلوّ الكتاب والسنّة عن بيان خاصّ بطريق الولاية فربّما يتوهّم فساده من حيث أنّ من يطع ربّه حق الإطاعة صار وليّا من أوليائه واجدا لغاية الكمال ، وقد ورد في الحديث القدسي قال الله تعالى : «عبدي أطعني اجعلك مثلي ، أقول لشيء : كن فيكون ، وتقول لشيء : كن فيكون» (١) ، والآيات والأخبار في ذلك كثيرة.
وهذا وإن كان صحيحا من وجه فهو فاسد من وجه آخر ، فما كلّ من هذّب أخلاقه واستكمل في مقام العمل صار مستكملا بغاية الكمال ، وسيجيء توضيحه.
وأمّا أهل الطريقة وهم السالكون سبيل معرفة النفس ، فقد التزم معظم طائفتهم الإشكال ، فقالوا : إنّ الطريق بعد ما ورد بيانه الإجمالي فيما رواه الفريقان عن النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ أنه قال : «من عرف نفسه عرف ربّه» (٢) ، لم يرد في الكتاب والسنّة بيان تفصيلي له ، ومثل هذا الطريق في الإسلام مثل الرهبانيّة في دين النصارى لم يشرعه الله تعالى ، وإنّما ابتدعه النصارى من عند أنفسهم فرضيه الله سبحانه ، قال تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما
__________________
(١). مستدرك الوسائل ١١ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ مع تفاوت ؛ إرشاد القلوب ١ : ٧٥ ؛ عدة الداعي : ٣١٠.
(٢). الصراط المستقيم ١ : ١٥٦ ؛ مصباح الشريعة : ١٣ ؛ عوالي اللآلي ٤ : ١٠٢.