(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (١)
وهذا كلام قاله ـ عليهالسلام ـ خطابا لأبيه وقومه ، ولمّا ينفصل عنهم وينقطع رجائه ، فالدعاء وإن كان مطلقا غير مقيّد بشيء على حسب ما جرى على لسانه مطلقا غير مقيّد ، لكنّه لمّا كان مع رجاء منه في أبيه تقيّد قهرا بإيمانه ، وإنّما لم يقيّده ـ عليهالسلام ـ وفاء لما جرى على لسانه من الإطلاق على ما هم الكاملين من أهل التوحيد والولاية ، وقد تقدّم تمام بيانه في قوله : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) الآية من سورة البقرة. (٢)
ثمّ قال سبحانه : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) ، (٣) وهذه براءته من أبيه.
وقال سبحانه أيضا : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ* رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (٤)
فالآيات كما ترى تقضي أنّه ـ عليهالسلام ـ وعد أباه الاستغفار تطميعا له ورجاء في إيمانه ، ثمّ استغفر له ولمّا ينقطع رجاءه منه ، حتّى إذا تبيّن أنّه عدوّ لله وانقطع رجاؤه منه تبرّأ منه وذهب إلى ربّه ، وهذا هو الذي ينبئ عنه إجمالا قوله سبحانه : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).
__________________
(١). الشعراء (٢٦) : ٧٥ ـ ٨٦.
(٢). البقرة (٢) : ١٥٦.
(٣). الزخرف (٤٣) : ٢٦ ـ ٢٧.
(٤). الصافّات (٣٧) : ٩٩ ـ ١٠١.