فإذا وجدنا أنّ الموجودات تبتديء من الله ـ سبحانه ـ ، ووجدناها لا تملك لأنفسها حدوثا ولا بقاء ولا حياة ولا فناء ، وبالجملة : أنّ الأشياء لا تستقلّ فيما لها من الوجود ، فلنحكم بالفطرة بأنّ وجود الأشياء لله ومن الله ، وعدمها لله وإلى الله ، أي أنّ وجودها إعطاء منه تعالى ، وعدمها أخذ منه تعالى لما أعطاه ، والوجود في الحالين جميعا بيده وتحت حيطة قدرته ، على أنّ كلّ ما نجده من الموجودات في عالمنا المشهود نجده أنّه يبتديء في الوجود بعد عدم ، ثمّ يسير في مراحل وجوده من الضعف إلى القوّة ، ولا يزال على ذلك حتّى ينتهي إلى أوج قوّته وشدّته على ما رزقه الصنع والإيجاد ، ثمّ يأخذ في الضعف والانحطاط حتّى ينتهي به الأمر إلى ما بدأ منه ، فالعود عين البدء.
فلنحكم بأنّ العود إنّما هو إلى ما كان منه البدء وهو الله ـ سبحانه ـ ، وهذا معنى قوله سبحانه : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (١) إلى آخر الآية.
وهو حجّة برهانيّة وقعت في عدّة مواضع من كتاب الله تعالى ، وأمّا ما ذكره بعضهم أنّ المشركين لا يقولون بالمعاد ، فذكر الإعادة من جهة استلزام قولهم ذلك ، فوجه بعيد عن الآية بمراحل.
وأمّا قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا)
فهو يفيد أنّ الغاية في هذه الإعادة جزاء المحسنين ، وذلك أنّ العدل يقتضي أن لا يبطل الأعمال الصالحة التي يأتي بها الصالحون من العباد ، وهذه المجازات لم تقع في الدنيا فهي لا محالة في نشأة اخرى ، يجد الصالحون فيها جزاء
__________________
(١). البروج (٨٥) : ١٣.