أعمالهم الصالحة ، ويمتازوا بها عن الطالحين ، ولهذا عقّب (١) تعالى هذه الجملة بقوله : (بِالْقِسْطِ).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ)
غيّر سبحانه سياق الكلام ولم يقل : «ويجزي الذين كفروا» ، لأنّ الاستدلال إنّما هو بما يقتضيه العدل ، والعدل إنّما يقتضي مجازات المحسن بإحسانه ، وأمّا مجازات المسيء بإسائته فلا يوجبها ولا يقتضيها ولا عدمها.
فإن قلت : الانتقام من المسيء للمحسن ممّا يقتضيه العدل فعذاب الكافر ممّا لا يتمّ العدل بدونه.
قلت : هذا من شعب جزاء المحسن بإحسانه ، وقد ذكره تعالى لا جزاء للمسيء بإسائته.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ) ـ إلى قوله ـ : (إِلَّا بِالْحَقِ)
وهذه الآية تشتمل على بيان ثان لكون المعاد بالحقّ ، وذلك أنّ هذه الموجودات على عظمتها وكثرتها لا تخلو عن غاية صحيحة ، فليحكم بأنّ الإعادة الكلّيّة إلى يوم المعاد ليست باطلة غير ذات غاية ، بل هي بالحقّ وعلى غاية صحيحة ، فحاصل الحجّة على ما ظهر أنّ ايجاده تعالى للخلق استقرّ على إعطاء الوجود منه وأخذه إليه وهو المعاد ، ولا يكون إلّا لغاية ، لأنّ العدل يحكم بالجزاء وهو غاية ، ولأنّ الخلقة والإيجاد بالحقّ لا على سبيل العبث والباطل.
وقد جعل تعالى هذين المعنيين ـ أعني مضمون قوله : (لِيَجْزِيَ) إلى آخر
__________________
(١). في نسخة «تمّم» [منه ـ رحمهالله].