الاقتدار ، وهذه طريقة معمولة بين العقلاء أنّ الإنسان إذا استذلّ عدوّه وجّه إليه ما يريده من توسعة وتضييق في صورة خطاب التعجيز ، وقد أكّد ذلك في الآية بوضع المتكلّم «من» وعن قبله ، وهو الله سبحانه ورسوله موضع الغيبة حيث قال : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا ...).
فالله سبحانه هو المتكلّم ، وقد ظهر غائبا ورسوله مخاطب ، وقد جعل غائبا والمشركون في الغيبة ، وقد وجّه إليهم الخطاب وقد نسب العهد إلى المؤمنين أو إلى النبيّ مع المؤمنين ، لأنّه من فروع الولايات والسياسات ، وكان ـ صلىاللهعليهوآله ـ يداخلهم فيها ، فالخطاب في الحقيقة إلى الرسول وتوجيهه إلى المشركين للتعجيز فقط.
قوله سبحانه : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ)
الأذان بمعنى الإعلام.
إن قلت : ما وجه تكرار البراءة حيث قال : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) وقال تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ)؟
قلت : ليس من التكرار في شيء ، فالآية الاولى : إعلام للمشركين خاصّة ، والثانية : لجميع الناس ، ولذا قال تعالى في الآية الاولى : (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وفي الثانية : (إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)
فما قيل في الجواب عن لزوم التكرار : إنّ الآية الاولى إخبار بثبوت البراءة ، والآية الثانية إخبار بوجوب الإعلام بما ثبت (١) غير مستقيم لمكان قوله تعالى في الآية الاولى : (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) فإنّ قوله : (إِلَى) تشير إلى التبليغ والإعلام.
__________________
(١). تفسير الصافي ٣ : ٣٧٤.