قوله سبحانه : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ)
في مقام التعليل لقوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ)، فالنهي عن تعميرهم المساجد لكون أعمالهم حبطا باطلة ليست بمرضية لله سبحانه ، فلا ملاك لتشريع تعميرهم ولا تناسب بينهم وبينها ، بخلاف المؤمنين العاملين المتلبّسين بتقوى من الله تعالى.
فإن قلت : فما معنى تشريع التحريم في حقّهم وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر؟
قلت : فائدته أنّ النهي ينتج عدم جعل الحقّ لهم في ذلك ، فعلى المؤمنين أن يمنعوهم من ذلك وينتظم بذلك نظام الدين وسيطرة انبساطه ، واعتلاء كلمة الله سبحانه ، هذا في الدنيا ، وأمّا في الآخرة فوباله عائد إليهم بناء على أنّ الكفّار يكلّفون بفروع الدين كأصوله.
قوله سبحانه : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ)
قرينة المقابلة تفيد أنّه قصر قلب أو إفراد كأنّ المشركين ، كانوا يزعمون أنّ حقّ تعمير البيت لهم فقط أو لكلّ من يريد ذلك من غير اختصاص بالمؤمنين ، فأبطل ذلك وجعل الحقّ للمؤمنين فقط.
وقوله : (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
في معنى التعليل ، ويشعر بأنّ ملاك التشريع قابليّة الاهتداء ، فيجب في كلّ تشريع أن ينتهي بالآخرة إلى اهتداء المكلّفين.
وقد عرّف سبحانه الاهتداء بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ، (١) وقال سبحانه أيضا : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ
__________________
(١). الأنعام (٦) : ٨٢.