وأمّا الخشية : فهي تأثّر القلب من توقّع المكروه على ما تفيده مادّتها ، وقد وجد في الإستعمال الخشى بمعنى اليبس ، ويقال : خشت النخلة إذا أحشفت تمرتها وإن كان هذا المثال من الواوي ، قال تعالى : (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ،) (١) وقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ). (٢)
وبالجملة ، الخشية : صفة قلبيّة وجدانيّة بخلاف الخوف ، فالخوف ليس من حيث هو خوف رذيلة مذمومة ، بخلاف الخشية ، فالفارّ من سقف يخرّ عليه أو مكروه آخر لا يقدر على دفعه فإن لم تضطرب نفسه ولم يتزلزل إرادته فقد خاف ولا لوم عليه ، وإن اضطربت أركانه وبطلت قوّة نفسه فقد خشي وهو ملوم مذموم.
ولذا لم يذمّ سبحانه في كتابه الخوف من غيره إلّا في موارد لا ينبغي فيها الخوف ، لكن نهى عن خشية غيره ، قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) ، (٣) وقال في زكريا : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) ، (٤) وقال في موسى : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) ، (٥) وقال في امّ موسى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) ، (٦) وقال سبحانه في انبيائه : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) ، (٧) وقال : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي). (٨)
__________________
(١). الحشر (٥٩) : ٢١.
(٢). البقرة (٢) : ٧٤.
(٣). الأنفال (٨) : ٥٨.
(٤). مريم (١٩) : ٥.
(٥). الشعراء (٢٦) : ٢١.
(٦). القصص (٢٨) : ٧.
(٧). الأحزاب (٣٣) : ٣٩.
(٨). البقرة (٢) : ١٥٠.