قتلوا زيد بن علي ويحيى بن زيد عليهما السلام وغروهما وخذلوهما.
قال العباسي : قد علم الناس أنه ليس في الأرض بلد أجمع أهله على حب بني هاشم إلّا الكوفة. وما قتل أحد من بني هاشم في شرق ولا غرب إلّا وحوله قتلى من أهل الكوفة تختلط دماؤهم بدمه. فأما الحسين عليه السلام فإنه كتب إلى أشرافكم. فأما منذر بن الجارود فإنه أخذ الرسول وهو عبد الله بن يقطن (١) الليثي فدفعه إلى ابن زياد فقتله ، وذلك أن أنبته بحربة كانت عند ابن زياد. وكان من أمر الحسين عليه السلام ما كان. وما أكرم الله رجلا أن يسفك دمه [١٧ أ] معه فيكون في ذلك شرف الدنيا والآخرة. فهل سمع سامع بمثل أنصار الحسين وهم سبعون رجلا لقوا جبال الحديد حتى قتلوا حوله؟
قال الحجاج بن خيثمة : فإن الله قد أعطى أهل البصرة ما لم يعط أهل الكوفة. إن الماء يغدوا عليهم إذا غدوا إلى ضياعهم فيأخذونه إذا أرادوه. وإن استغنوا عنه حجبوه.
قال أحمد بن يوسف : ما رأيت ذلك عندهم. فلم ينقطع أعناقهم من العطش فلا يشربون حسوتين إلّا بالمنجنون (٢) والإبل ، فإن عطب بعير وانكسرت منجنونه أو أبطأ الموكل بذلك تعطلت السقايات. وإنما يقيم لهم الماء ساعة في أول النهار وساعة في آخره. وما أحد من أهل البصرة يشرب الماء العذب إلّا أن يتصدق به عليه. ومتى كثر عليهم الماء خافوا الغرق وضربوا الفساطيط على المكان الذي يخشونه. وإن قلّ عطشوا حتى يمزجوا الماء بالخل من ملوحته. وإن المريض منهم ليقال له ما تشتهي؟ فيقول : الماء العذب. وهم يسمون ماءنا الماء الحي. وإذا قدم الغائب وكان طريقه على الماء العذب أخذ منه ليفرقه هدايا على أقاربه وأهله وإخوانه. وماؤهم صبابة المياه ومفيض الأنهار.
وقال ابن عياش الهمداني لأبي بكر الهذلي يوم فاخره عند أبي العباس
__________________
(١) المعروف أنه ابن بقطر ـ أخو الإمام الحسين من الرضاعة ـ (الطبري ٥ : ٣٩٨ ، ٤٦٩).
(٢) المنجنون : الدولاب التي يسقى عليها (لسان العرب).