السفاح : إنما الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء ببرده وعذوبته. والبصرة بمنزلة المثانة يأتيها الماء بعد تغييره وفساده.
وكان بالبصرة رجل من أهل الكوفة يقال له أبا المعذل بن غيلان ففاخرهم يوماً فقال : ألستم تروون أن من بال في الماء القائم المبال أربعين صباحاً تغير عقله؟ قالوا : بلى. قال : فهو ذا أنتم يشرب أحدكم الماء القائم المبال فيه ثمانين سنة. فكيف تكون عقولكم مثل عقول أهل الكوفة؟ فما استطاعوا أن يجيبوه.
فقال عمرو بن الحارث (١) : فإن [١٧ ب] لأهل البصرة الرطب الذي ليس في الدنيا أكثر ولا ألذّ منه.
فقال ابن يوسف : أما الكثير ليس بزائده في الطيب. ولو كان الكثير أطيب لكان بعر الإبل أطيب من الجوز. وأما الطيب ، فإن أهل العراق اجتمعوا ليلة في سمر عند يزيد بن عمر بن هبيرة فقالوا : أي البلدين أطيب تمرا الكوفة أم البصرة؟ فقال خالد بن صفوان : بل تمرنا أطيب وأعذب ، ولنا على أهل البصرة فضل العنب الرازقي في طيبه السونابي (٢) في حلاوته والخمري في رقته. فإذا فخر البصري بالعنب ذكر لهم عنبا يسمونه المتروري ، وما رأيت الحصى قطّ يباع حتى رأيت هذا العنب يباع.
قال علي بن هشام : فإن لأهل البصرة فيلسوفي الإسلام اللذين استخرجا النحو والعروض : أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد.
فقال عمرو بن مسعدة (٣) : أما العروض فهو وإن كان علما فما يحتاج إليه كثير من الناس ، وليس من علم الأشراف. وأما النحو فإن أبا الأسود احتاج إليه لفساد السنة أهل البصرة. ولم يحتج أصحابنا لفصاحتهم. ولئن كان أبو الأسود
__________________
(١) عمرو بن الحارث بن يعقوب المتوفى عام ١٤٨ ه (ابن الأثير ٥ : ٥٨٩) فيكون هذا الكلام جزءا من المفاخرة التي وقعت عند أبي العباس السفاح.
(٢) في الأصل : السوناني. والصواب ما أثبتناه. وهو نسبة إلى سونايا من قرى بغداد.
(٣) أحد وزراء المأمون مات عام ٢١٧ ه (مروج ٣ : ٤١٧) ترجمته في ابن خلكان ٣ : ٤٧٥.