ولما ارتحلت اليهود من بيت المقدس هاربين من بخت نصر ، حملوا معهم من تراب بيت المقدس ومائه فكانوا لا ينزلون منزلا ولا يدخلون مدينة إلّا وزنوا ماءها وترابها. فما زالوا حتى دخلوا أرض إصبهان ، فنزلوا ووزنوا الماء والطين الذي في ذلك المكان فكان مثل الذي معهم من تراب بيت المقدس ومائه. فعندها اطمأنوا وأخذوا في الأبنية والعمارات وتوالدوا وتناسلوا وسمي المكان بعد ذلك. باليهودية وفيه يعرف إلى هذا الوقت.
فأما مدينة إصبهان فاسمها جيّ وبناها الإسكندر على مجرّ حيّة [١٣٦ أ]. فالبناء قائم إلى يومنا هذا معوج.
ويقال إنه كان بنى سورها مرارا كثيرة ، مربعا ومدوّرا فكان إذا فرغ منه تساقط وغيره من أبنية البلد. فآلى على نفسه أن لا يبرح أو يبنيها. فرأى في بعض الأيام حية قد جاءت فدارت حول السور مسرعة ثم انصرفت. فأمر أن يرسم السور على مجرّها. ففعل ذلك فثبت البناء ولم يقع.
وإصبهان من فتوح أبي موسى الأشعري في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقال الشعبي : لما انهزم يزدجرد من المدائن صار إلى نهاوند. فلما انهزم منها انتخب من عسكره ألف أسوار وألف خبّاز وألف طباخ وألف صاحب حلواء (١) ثم مضى حتى نزل مرو. فلما قتل بها صارت الأساورة إلى بلخ ، فأهلها أشجع أهل خراسان. وصار الطباخون إلى هراة. فأهلها أحذق الناس بألوان الطبخ. وأقام الخبازون بمرو فأهلها أجود الناس خبزا ، ولهم ضروب منه لا توجد في غير بلدهم. وصار صاحب الحلوى إلى إصبهان ، فهم أحذق الناس باتخاذ الحلوى.
وقال الهيثم بن عدي : لم يكن بفارس أقوى من أهل كورتين : واحدة سهلية وأخرى جبلية. أمّا السهلية فكسكر ، وأما الجبلية فأصبهان. وكان خراج كل كورة
__________________
(١) في المختصر : وألف صناجة. والأسوار : كلمة يطلقها الإيرانيون القدماء على البطل الشجاع الحر (فرهنگ معين).