ويجب أن أنبّه هنا إلى أن معنى الكلمة الغريبة يبقى ثابتا ـ في الغالب ـ من دون تغيير ، وأنّ التفاوت يحدث في فهم الناس له في مرحلة زمنية واحدة أو متعاقبة. وقد وهم الدكتور الخفاجي عند ما تصور أن الكلمة الغريبة «يختلف مدلولها من جيل إلى جيل ، ومن بيئة إلى أخرى» (١).
علاقة الغريب بمصطلحي الحوشي والنوادر :
يتكرر كثيرا في الكتب اللغوية ورود مصطلح الغريب وبجانبه مصطلح الحوشي أو الوحشي. وكذلك نرى مصطلحي الغريب والنوادر وغالبا ما يعطف أحدهما على الآخر.
وبالنظر إلى عدم وضوح معاني هذه المصطلحات لدى كثير من القرّاء لذا يستحسن هنا بيان ماهيتها ومدى قربها من الغريب أو بعدها عنه.
وقد توصلت عند دراستي لهذه المصطلحات إلى أن الحوشي أو الوحشي يرادف تماما مصطلح الغريب لدى الغالبية العظمى من اللغويين (٢). على حين أن هناك اختلافا بين الغريب والنوادر. لأن النوادر هي الكلمات التي يقل وجود مثيلها في اللغة لتركيب خاص في بنيتها. سواء أكانت تخالف القياس ـ وهو الأكثر ـ أم جاءت على وفقه. وسواء أقلّ استعمالها عند المتكلمين ـ وهو الغالب ـ أم كثر. وسواء أكانت تحمل دلالة غامضة أم واضحة.
وبعد مقارنة هذا بما توصلت إليه من تعريف للغريب يتضح أن بين المصطلحين عموم وخصوص من وجه فقد يتفقان في بعض المفردات يختلفان في بعضها الآخر (٣).
أسبقية التأليف في الغريب :
لو فطنّا إلى بواكير الجهود المبذولة في العربية لوجدناها تتركز على القرآن الكريم. فقد شعر خاصة القوم أن المسلمين بحاجة ماسة إلى دراسات تساعد على بيان دلالات ألفاظ القرآن الكريم وفهم معانيه ، أو منع اللسان من الخطأ في تلاوة آياته ، أو تذوق معانيه البليغة بالدرجة المطلوبة (٤).
ومن الطبيعي أن أول ما تتوجه إليه الجهود الدراسات المتعلقة بالدلالات ، وبخاصة الغريبة منها ، لأن فهم الآية الكريمة متوقف عليها ، فالحاجة إليها أمسّ.
وكان النبى صلوات الله عليه يفسر المعاني الغريبة في القرآن الكريم. وحفظ عنه صحابته الكرام وساروا على نهجه. وكان من أبرزهم في ذلك ـ كما نقلت لنا المصادر ـ الإمام
__________________
(١) علم الفصاحة العربية ٨٩ وانظر أيضا ٢٣٠.
(٢) انظر بحثي ظاهرة الغريب في اللغة العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري ١٦ ـ ١٩.
(٣) انظر المصدر السابق ١٩ ـ ٢٥.
(٤) انظر هذا الموضوع بشكل مفصل في فصول في فقه العربية للدكتور رمضان عبد التواب ١٠٨.