فيها ، عانى كثير من العرب من فهم المفردات الغريبة عن استعمالهم فذهبوا إلى النبي (ص) ، وإلى الخاصة من صحابته الكرام ، ليستجلوا غموض ما أبهم عليهم من دلالات ، وما استغلق من معان. وتأكدت حاجة المسلمين بعد دخول الأعاجم في الإسلام ، وذلك لقلّة اطلاع الغالبية العظمى منهم على كثير من معاني المفردات العربية.
وكلما مضى بنا الزمان حدثت مفردات غريبة أخرى في القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، والنصوص العربية القديمة من شعر ونثر ، وذلك لانشغال الخاصة من المسلمين بالفتوحات الاسلامية وعدم التفرغ لتعلم اللغة وتعليمها يضاف إلى ذلك ظهور طبقة كبيرة من المسلمين أهملت العناية باللغة العربية ، واقتصرت في حفظ المفردات على ما يتطلبه النطق والكلام ، وتركوا ما عداه لفقدان الدافع إليه ، وانعدام الرغبة فيه. كل ذلك جعل الحاجة ماسة إلى معرفة الغريب.
ومن هنا أحس الأفذاذ من اللغويين جسامة ما يتوجب عليهم ، وضخامة العبء الذي يجثم على عاتقهم. فبذلوا كل الجهد في تفسير المعاني الغريبة. واستمر هذا الحال حتى مضى العقد الأول من القرن الثاني الهجري. وعندها وجد زيد بن علي أن الحاجة تدعو إلى تأليف كتاب في الغريب فصنع مصنفه الجليل (تفسير غريب القرآن) ـ وكان من عظيم فخري وسعادتي أن أحقق هذا السفر العظيم وأظهره إلى النور بعد أن بذلت فيه جهودا كبيرة ومحاولات جادة من أجل أن أتمكن من إظهار نص الكتاب بالشكل الذي وضعه به المؤلف أو أقرب ما يكون إليه واتبعت في ذلك الطرق العلمية في تحقيق النصوص وإخراجها. ولا يخفى على كل من له دراية يسيرة بالدراسات اللغوية ، أن يعرف مدى أهمية هذا الكتاب ، ويكفي في ذلك أن يعلم أن مؤلفه توفي سنة مائة وعشرين للهجرة المباركة. فيكون هذا السفر من أقدم الكتب اللغوية التي وصلت إلينا. وقدم تأليف هذا الكتاب يفرز فوائد في غاية الأهمية في الدراسات اللغوية وبخاصة إذا عرف أنه مؤلف في عصر الاحتجاج اللغوي. كما أن الباحث الجاد يستطيع أن يستخلص منه علامات تساعد في تكوين صورة لطبيعة اللغة العربية الفصحى المكتوبة في بداية القرن الثاني ، وهذا ما تفتقده الدراسات المعنية بتطور اللغة حاليا ، لعدم وجود آثار هامة عن هذه اللغة. كما أنه مهم جدا في دراسة تطور قسم من المصطلحات اللغوية. يضاف إلى كل ذلك أن هذا الكتاب يعد من أول المصادر للمعاجم العربية ، وهو أول كتاب كامل وصل إلينا فسّر مؤلفه فيه معاني كلمات القرآن الكريم إلى غير ذلك من الفوائد العلمية التي يضمها هذا السفر النفيس.
وهذا الكتاب هو باكورة جهودي في نشر مكتبة زيد بن علي عليهالسلام وأتضرع إلى الله تعالى أن يوفقني في إخراج كتبه الأخرى في القريب العاجل إن شاء الله.
والكتاب الذي بين أيدينا هو القسم الثاني من البحث الذي حصلت به على درجة