ظاهرة الغرابة
من الموضوعات التي نالت اهتمام العلماء قدماء ومحدثين موضوع الغريب. ولا أدل على ذلك من قدم التأليف فيه من جهة ، ومن كثرة الكتب التي تناولته من جهة أخرى. لكن الغالبية العظمى من هذه المؤلفات اكتفت بجمع واستقصاء المفردات الغربية دون أن تهتم بتحديد معنى الغرابة. أما الأقلية التي بينت هذا المعنى فإنها لم توفق في الوصول إلى تعريف دقيق يشمل هذه الظاهرة ويمنع من دخول ظواهر أخرى فيه.
وقبل أن أذكر هذه التعريفات أجد من المستحسن أن ألجأ إلى المعاجم لمعرفة المعنى اللغوي للغريب. لأن أغلب المصطلحات تؤخذ من أصلها اللغوي ، وتبقى في ذلك المعنى أو تبتعد قليلا عنه أو كثيرا تبعا للتطور الذي يلحق ذلك المصطلح.
معنى الغريب في اللغة :
تجمع المعاجم اللغوية التي بين أيدينا على أن للغرابة معنى واحدا وهو الغموض والخفاء.
فقد قال الخليل (ت ١٧٥ ه) إن «الغريب : الغامض من الكلام» (١).
وقال الأزهري (ت ٣٧٠ ه) إن «الغريب من الكلام : العقميّ الغامض» (٢).
ولعله أضاف كلمة العقميّ التي تعني «الغريب الغامض من الكلام» (٣) إمعانا منه في إعطاء صورة أكثر إبهاما له ، لأن الغموض درجات تتفاوت شدة وضعفا. فجعل الغريب ما اشتد غموضه.
وهذا المعنى للغريب نجده بنصه أو بفحواه في المعاجم العربية الأخرى (٤).
__________________
(١) العين (غرب) ٤ / ٤١١.
(٢) تهذيب اللغة (غرب) ٨ / ١١٥.
(٣) القاموس المحيط للفيروز ابادي (عقم) ٤ / ١٥٤.
(٤) انظر مادة غرب في أساس البلاغة ٢ / ١٥٩ والمحكم ٥ / ٢٩٩ ولسان العرب ٢ / ١٣٢ وتاج العروس ١ / ٤١١ والمعجم الوسيط ٢ / ٦٥٣ وغيرها.