سورة آل عمران
مدنية. وآياتها : مائتان ، وقيل : مائة وسبع وثمانون. وكلماتها : ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانون كلمة ، ومناسبتها لما قبلها : قوله تعالى فى أولها : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ ...) إلخ ، فكأنه تتميم لقوله ، (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ، وتفسير له.
ومضمنها : توجيه العتاب لثلاث طوائف : للنصارى ؛ لغلوهم فى عيسى عليهالسلام ، ولامتناعهم من الدخول فى الإسلام ، وبسببهم نزلت السورة ، أعنى نصارى نجران ، ولليهود ؛ لتفريطهم فى اتباع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وللمسلمين ؛ لما وقع لهم من الفشل يوم أحد ، ولذلك افتتح السورة بذكر الكتب الثلاثة ، إذ لو قاموا بحقوقها ما توجه لهم عتاب ، فقال :
(الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ...)
قلت : فواتح السور كلها موقوفة خالية عن الإعراب ؛ لفقدان موجبه ومقتضيه ، فيوقف عليها بالسكون ، كقولهم : واحد ، اثنان. وإنما فتح الميم هنا فى القراءة المشهورة ؛ لإلقاء حركة الهمزة عليها. انظر البيضاوي. قال ابن عباس رضي الله عنه : (الألف آلاؤه ، واللام لطفه ، والميم ملكه).
قلت : ولعلّ كل حرف يشير إلى فرقة ممن توجّه العتاب إليهم ، فالآلاء لمن أسلم من النصارى ، واللطف لمن أسلم من اليهود ، والملك لمن أسلم من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ، فقد ملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جل جلاله : أيها الملك المعظّم ، والرسول المفخم ، بلّغ قومك أن الله واحد فى ملكه ، ليس معه إله ، ولا يحب أن يعبد معه سواه ؛ إذ لا يستحق أن يعبد إلا الحي القيوم ، الذي تعجز عن إدراكه العقول ومدارك الفهوم ، قائم بأمر عباده ، متصرف فيهم ، على وفق مراده ، فأعذر إليهم على ألسنة المرسلين ، وأنزل عليهم الكتب بيانا للمسترشدين ، فنزّل (عَلَيْكَ الْكِتابَ) منجّما فى عشرين سنة ، متلبسا (بِالْحَقِ) ، حتى (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ، أو متلبسا بالحجج التي تدفع كل باطل ، أو بالعدل حتى ينتفى به جور كل مائل ، (مُصَدِّقاً) لما تقدم قبله من الكتب الإلهية ؛ إذ هو موافق لما فيها من القصص والأخبار ، فكان شاهدا عليها بالصحة والإبرار.