يقول الحق جل جلاله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) يا أمة محمد صلىاللهعليهوسلم (أُمَّةٌ) أي : طائفة (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) ، وهو كل ما فيه صلاح دينى ، أو دنيوى إذا كان يؤول الى الديني ، أو صلاح قلبى أو روحانى ، (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو ما يستحسنه الطبع ويرتضيه الشرع ، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو كل ما ينكره الطبع السليم والشرع المستقيم ، فمن فعل ذلك فأولئك (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المخصوصون بكمال الفلاح.
روى عنه عليه الصلاة والسلام : أنه سئل من خير الناس؟ فقال : «آمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم لله ، وأوصلهم للرحم». وقال أيضا : «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر كان خليفة الله فى أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه. وقال على رضي الله عنه : (أفضل الجهاد : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وشنئان الفاسقين ـ أي بغضهم ـ فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق ، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له). وقال أبو الدرداء : (لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما ، لا يجلّ كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم ، ويستنصرون فلا ينصرون ، ويستغفرون فلا يغفر لهم). وقال حذيفة : (يأتى على الناس زمان لأن تكون فيه جيفة حمار ، أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر).
وللمتصدّى له شروط : العلم بالأحكام ، ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها ، والتمكن من القيام بها. ولذلك خاطب الحق تعالى الجميع ، وطلب فعل بعضهم ، إذ لا يصلح للقيام به إلا البعض ، كما هو شأن فرض الكفاية ، إذ هو واجب على الكل ، بحيث لو تركوه لعوقبوا جميعا ، لكنه يسقط بفعل البعض.
والأمر بالمعروف يكون واجبا ومندوبا ، على حسب ما يأمر به ، والنهى عن المنكر واجب كله ؛ لأن جميع ما أنكره الشرع حرام. وأما المكروه فليس بمنكر ، فيستحب الإرشاد الى تركه. والأظهر أن العاصي يجب أن ينهى عما يرتكبه هو ؛ لأنه يجب عليه تركه ، فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر. وقد قال عليه الصلاة والسلام : «مروا بالمعروف وإن لم تعملوا بكلّه ، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله».
الإشارة : (ولتكن منكم أمة) أي : طائفة ينهض حالهم ويدلّ على الله مقالهم ، يدعون إلى الخير العظيم ، وهو شهود ذات السميع العليم ، ويأمرون بالمعروف بالهمة العلية ، وينهون عن المنكر بالحال القوية ، فكلّ من رآهم بالصفا ائتمر وانتهى ، وكل من صحبهم بالوفاء أخذ حظه من الغنى بالمكيال الأوفى ، إن لله رجالا من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، فهؤلاء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحال دون المقال.
يحكى أن بعض الشيوخ مرّ مع أصحابه بقوم يشربون الخمر تحت شجرة ، فأراد أصحابه أن يغيروا عليهم ، فقال لهم : إن كنتم رجالا فغيروا عليهم بحالكم دون مقالكم ، فتوجهوا إلى الله بهممهم ، فإذا القوم قد كسروا الأوانى ، وجاءوا إلى