الشيخ تائبين. وكذلك قضية معروف الكرخي مع أصحاب السفينة ، الذين كانوا مشتغلين باللهو واللعب ، فقال له أصحابه : ادع عليهم ، فقال : اللهم كما فرّحتهم فى الدنيا ففرّحهم فى الآخرة ، فتابوا على يده جميعا. وبالله التوفيق ، وهو الهادي الى سواء الطريق.
ثم أعاد النهى عن الفرقة ، تأكيدا لذمها ، فقال :
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩))
قلت : (يوم) : متعلق بالاستقرار فى خبر (أولئك) ، أو بالذكر ؛ محذوفة ، وقوله : (أكفرتم) : محكى بقول محذوف جواب (أما) ، أي : فيقال لهم : أكفرتم.
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَكُونُوا) كاليهود والنصارى الذين (تفرقوا) فى التوحيد والتنزيه ، (وَاخْتَلَفُوا) فى أحوال الآخرة. قال عليه الصلاة والسلام : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النّصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها فى النّار إلا واحدة. قيل : ومن تلك الواحدة؟ قال : ما أنا وأصحابى عليه». وهذا الحديث أصح مما تقدم ، والصحابة يروون الحديث بالمعنى ، فلعلّ الأول نسى بعض الحديث. والله أعلم.
ثم إن النهى مخصوص بالتفرق فى الأصول دون الفروع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «اختلاف أمّتى رحمة» ، ولقوله : «من اجتهد وأصاب فله أجران ، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد».
ثم إن أهل الكتاب تفرقوا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) أي : الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه ، (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، يستقر لهم هذا العذاب (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) المؤمنين المتقين على التوحيد ، (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الكافرين المتفرقين فيه ، أو تبيض وجوه المخلصين وتسود وجوه المنافقين ، أو تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة. وبياض الوجوه وسوادها كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف