(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤))
يقول الحق جل جلاله ، فى وصف أولى الألباب : هم (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) ، أي : يذكرونه على الدوام ، قائمين وقاعدين ومضطجعين ، وعنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من أراد أن يرتع فى رياض الجنة فليكثر ذكر الله». وقيل : يصلون على الهيئات الثلاث ، حسب الطاقة لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين ، وكان مريضا : «صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنبك وتومىء إيماء».
(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) استدلالا واعتبارا ، وهو أفضل العبادات قال صلىاللهعليهوسلم : «لا عبادة كالتفكر» ؛ لأنه المخصوص بالقلب ، والمقصود من الخلق ، وعنه صلىاللهعليهوسلم : «بينما رجل مستلق على فراشه فنظر إلى السماء والنجوم ، فقال : أشهد أن لك خالقا ، اللهمّ اغفر لى ، فنظر الله إليه فغفر له». وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله. قاله البيضاوي. وسيأتى مزيد من كلام على التفكر فى الإشارة إن شاء الله.
فلما تفكروا فى عجائب المصنوعات ، قالوا : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) أي : عبثا من غير حكمة ، بل خلقته لحكمة بديعة ، من جملتها : أن يكون مبدأ لوجود الإنسان ، وسببا لمعاشه ، ودليلا يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك ، لينال الحياة الأبدية ، والسعادة السرمدية فى جوارك ، (سُبْحانَكَ) تنزيها لك من العبث وخلق الباطل ، (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) التي استحقها من أعرض عن النظر والاعتبار ، وأخل بما يقتضيه من أحكام الواحد القهار ، (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) يمنعونهم من دخول النار. ووضع المظهر موضع المضمر ؛ للدلالة على أن ظلمهم سبب لإدخالهم النار ، وانقطاع النصرة عنهم فى دار البوار.
(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) ، وهو الرسول العظيم الشأن ، أو القرآن ؛ قائلا : (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ) ووحدوه ، فأجبنا نداءه وآمنا ، (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) الكبائر ، (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) الصغائر ، (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) المصطفين الأخيار ، مخصوصين بصحبتهم ، معدودين فى زمرتهم ، وفيه تنبيه على أنهم يحبون لقاء الله فأحب الله لقاءهم. (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى) تصديق (رُسُلِكَ) من الثواب ، أو على ألسنة