قلت : (نِحْلَةً) : مصدر من آتوهن ، لأنها فى معنى الإيتاء ، يقال : نحله كذا نحلة ونحلا ؛ إذا أعطاه إياه عن طيب نفس بلا توقع عوض ولا حكم حاكم ، والضمير فى «منه» يعود على الصداق أو على «الإيتاء» ، و (نفسا) تمييز ، و (هنيئا مريئا) : صفتان لمصدر محذوف ، أي : أكلا هنيئا ، وهو من هنؤ الطعام ومرؤ ، إذا كان سائغا لا تنغيص فيه ، وقيل الهنيء : ما يلذه الإنسان ، والمريء : ما تحمد عاقبته.
يقول الحق جل جلاله للأزواج : (وَآتُوا النِّساءَ) التي تزوجتموهن (صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) أي : عطية مبتلة (١) ، لا مطل فيها ولا ظلم ، (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ) من الصداق ، وأعطينه لكم عن طيب أنفسهن (فَكُلُوهُ هَنِيئاً) لاتبعة عليكم فيه ، (مَرِيئاً) : سائغا حلالا لا شبهة فيه ، روى أن ناسا كانوا يتحرّجون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا ، فنزلت. وقيل : الخطاب للأولياء ، لأن بعضهم كان يأكل صداق محجورته ، فأمروا أن يعطوهن صداقهن ، إلا إن أعطينهم شيئا عن طيب أنفسهن ، والله تعالى أعلم.
الإشارة : وآتوا النفوس حقوقها من الراحة وقوت البشرية ، نحلة ، ولا تكلفوها فوق طاقتها ، فإن طبن لكم عن شىء من الأعمال أو الأحوال ، بانشراح صدر ونشاط ، فكلوه هنيئا مريئا ، فإنّ العبادة مع النشاط والفرح بالله أعظم وأقرب للدوام ، وهذا فى حق النفوس المطمئنة ، وأما النفوس الأمارة فلا يناسبها إلا قهرية المجاهدة مع السياسة ؛ لئلا تمل ، أو تقول : من أقامه الحق تعالى فى حال من الأحوال أو مقام من المقامات فليلزمه ، وليقم حيث أقامه الحق ، ويعطيه حقه ، فإن طاب وقته لحال من الأحوال فليأكله هنيئا مريئا. فالفقير ابن وقته ، ينظر ما يبرز له فيه من رزقه ، فكل ما وجد فيه قلبه فهو رزقه ، فليبادر إلى أكله لئلا يفوته رزقه منه. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
ثم نهى الأوصياء عن تمكين اليتامى من أموالهم قبل الرشد ، فقال :
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥))
قلت : «قيما» : (٢) مصدر قام قياما وقيما ، وأصله : قواما ، قلبت الواو ياء.
__________________
(١) البتل : القطع
(٢) قرأ نافع وابن عامر «قيما» وقرأ الجمهور «قياما».