البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

البحث

البحث في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :603

تحمیل

شارك

يقول الحق جل جلاله للأوصياء : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) التي تحت حضانتكم (أَمْوالَكُمُ) أي : أموالهم التي فى أيديكم ، وإنما أضاف أموال اليتامى لهم حثا على حفظها وتنميتها كأنها مال من أموالهم ، أي : ولا تمكنوا السفهاء من أموالهم التي جعلها الله فى أيديكم (قِياماً) لمعاشهم ، تقومون بها عليهم ، ولكن احفظوها ، واتجروا فيها ، واجعلوا رزقهم وكسوتهم فيها باعتبار العادة ، فإن طلبوها منكم فعدوهم وعدا جميلا ، (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أي : كلاما لينا بأن يقول له : حتى تكبر وترشد لتصلح للتصرف فيها. وشبه ذلك. وإنما قال : (وارزقوهم فيها) دون «منها» ؛ لأن «فيها» يقتضى بقاءها بالتنمية والتجارة حتى تكون محلا للرزق والكسوة دون «منها» ، وقيل : الخطاب للأزواج ، نهاهم أن يعمدوا إلى ما خولهم الله من المال فيعطوه إلى نسائهم وأولادهم ، ثم ينظرون إلى أيديهم. وإنما سمّاهن سفهاء استخفافا بعقلهن ، كما عبر عنهن ب ـ «ما» التي لغير العاقل (١).

وروى أبو أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنما خلقت النار للسفهاء ـ قالها ثلاثا ـ ألا وإن السفهاء النساء إلا امرأة أطاعت قيّمها (٢)». وقالت امرأة : يا رسول الله : سميتنا السفهاء! فقال : «الله تعالى سماكن فى كتابه» (٣) ، يشير إلى هذه الآية. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : (ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم : رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها (٤) ، ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه ، ورجل أعطى سفيها ماله ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).) قلت : إنما منعوا من إجابة الدعاء لتفريطهم فى مراسم الشريعة. والله تعالى أعلم.

الإشارة : لا ينبغى للشيخ أن يطلع المريد على أسرار التوحيد ، وهى أسرار المعاني التي جعلها الله تعالى قائمة بالأشياء ، حتى يكمل عقله ، ويتحقق أدبه ، ويظهر صدقه ، فإذا استعجلها قبل وقتها فليعده وعدا قريبا ، وليقل له قولا معروفا ، فكم من مريد استعجل الفتح قبل إبانه فعوقب بحرمانه ، وكم من مريد اطلع على أسرار الحقيقة قبل كمال خدمته فطرد أو قتل ، ووقتها هو حين تبرز معه فتأخذه الحيرة ، اللهم إلا أن يراه الشيخ أهلا لحملها ؛ لرجحان عقله وكمال صدقه ، فيمكنه منها قبل أن تبرز معه ، ثم يربيه فيها ، وهذا الذي شهدناه من أشياخنا لشدة كرمهم ـ رضى الله عنهم وأرضاهم ـ ورزقنا حسن الأدب معهم ، فأطلق الحق تعالى الأموال بطريق الإشارة على أسرار المعاني ، وأمر الشيوخ أن يرزقوهم منها شيئا فشيئا بالتدريب والتدريج ، وأن يكسوهم بالشرائع ، ويحتمل أن تبقى الأموال

__________________

(١) راجع التعليق على تفسير الآية الثالثة من سورة النساء.

(٢) ذكره بنحوه ابن كثير فى تفسيره ، وعزاه لابن أبى حاتم.

(٣) ذكره الآلوسى فى تفسيره من رواية مجاهد وابن عمر عن أنس. وقال الطبرسي : (لى فى صحته شك).

(٤) يحمل سوء الخلق هنا على ما يطعن فى العفة والحياء. وإلّا فظاهر هذا الكلام مخالف لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يفرك مؤمن مؤمنة ؛ إن كره منها خلقا رضى منها آخر»