الإشارة : ينبغى للشيخ أن يختبر المريد فى معرفته وتحقيق بغيته ، فإذا بلغ مبلغ الرجال وتحققت فيه أوصاف الكمال ، بحيث تحقق فناؤه ، وكمل بقاؤه ، وتمت معرفته ، فيكون تصرفه كله بالله ومن الله وإلى الله ، يفهم عن الله فى كل شىء ، ويأخذ النصيب من كل شىء ، ولا يأخذ من نصيبه شيئا ، قد تحلّى بحلية الورع ، وزال عنه الجزع والطمع ، وزال عن قلبه خوف الخلق وهمّ الرزق ، واكتفى بنظر الملك الحق ، يأخذ الحقيقة من معدنها ، والشريعة من موضعها ، فإذا تحققت فيه هذه الأمور ، وأنس رشده ، فليطلق له التصرف فى نفسه ، وليأمره بتربية غيره ، إن رآه أهلا لذلك ، ولا ينبغى أن يحجر عليه بعد ظهور رشده ، ولا يسرف عليه فى الخدمة قبل رشده ، مخافة أن يزول من يده.
فإن كان غنيا عن خدمته فليستعفف عنه ، وليجعل تربيته لله اقتداء بأنبياء الله. قال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً* وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ، وإن كان محتاجا إليها فليستخدمه بالمعروف ، ولا يكلفه ما يشق عليه ، فإذا دفع إليه السر ، وتمكن منه ، وأمره بالتربية أو التذكير فليشهد له بذلك ، ويوصى بخلافته عنه ، كى تطمئن القلوب بالأخذ عنه ، (وكفى بالله وليا وكفى به نصيرا).
ولما أمر الحق تعالى بحفظ أموال اليتامى أمر بحفظ أموال النساء ، وذكرهن بعدهم لمشاركتّهن لهم فى الضعف ، فقال :
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧))
قلت : جملة (مِمَّا قَلَّ ..) إلخ ، بدل (مما ترك) ، و «نصيبا» : مصدر مؤكد كقوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أي : نصب لهم نصيبا مقطوعا ، أو حال ، أو على الاختصاص ، أعنى : نصيبا مقطوعا.
يقول الحق جل جلاله : وإذا مات ميت وترك مالا فللرجال نصيب مما ترك آباؤهم وأقاربهم ، وللنساء نصيب مما ترك والدهن وأقاربهن كالإخوة والأخوات ، مما ترك ذلك الميت قل أو كثر ، (نصيبا مفروضا) واجبا محتما.
روى أنّ أوس بن ثابت الأنصارىّ توفّى ، وترك امرأة يقال لها : (أم كحّة) وثلاث بنات ، فأخذ ابنا عمّ الميت المال ، ولم يعطيا المرأة ولا بناته شيئا ، وكان أهل الجاهليّة لا يورّثون النّساء ولا الصغير ولو كان ذكرا ، ويقولون : إنما يرث من يحارب ويذب عن الموروث ، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو فى مسجد الفضيخ ، فقالت :