الإشارة : حذّر الحق ـ جل جلاله ـ أهل الدعوى ، الذين نصبوا أنفسهم للشيخوخة ، وادعوا مقام التربية ، مع كونهم جهالا بالله ، محجوبين عن شهود أسرار التوحيد ، أن يأخذوا أموال الضعفاء ؛ الذين تعلقوا بهم ؛ لأنهم إنما يدفعون لهم ذلك طمعا فى الوصول إلى الله. وهم ليسوا أهلا لذلك ، فإذا أكلوا ذلك فإنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، وهو تكثيف الحجاب ، وزيادة العنت والتعب ، إن أقبل عليهم الناس فرحوا واستبشروا ، وإن أدبروا عنهم حزنوا وغضبوا ، فأىّ عذاب أعظم من هذا!!
فتحصّل من أول الآية إلى آخرها ، أن الحق ـ تعالى ـ أمر أهل الغنى الأكبر ، وهم الذين أهّلهم للتربية النبوية ، بأن سلكوا الطريق وأشرقت عليهم شموس التحقيق على يد شيخ كامل ، بالاستعفاف ، ولا يأخذوا إلّا قدر الحاجة ، من أموال من انتسب إليهم ، وسد الباب لأهل الدعوى ، لأنه من أكل أموال الناس بالباطل ، لأنه يعطى على وجه لم يوجد فى المعطى إليه ، إلا إذا كان على وجه الصدقة المحضة ، مع أنه قد يكون غير مستحق لها. والله تعالى أعلم.
ثم بيّن الحق تعالى قسمة التركة ، فقال :
(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...)
يقول الحق جل جلاله : (يوصيكم الله) أي : يأمركم ويعهد إليكم ، (فِي أَوْلادِكُمْ) ، أي : فى بيان ميراثهم ، ثم فصّله فقال : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، أي يعد كل ذكر بأنثيين ، فإذا ترك ابنا وبنتا ، كانت من ثلاثة ، للذكر سهمان وللبنت سهم ، وإذا ترك ابنا وبنتين فله قسمتان ، ولكل واحدة قسمة ، وهكذا ، قال ابن جزى : هذه الآية نزلت بسبب سعد بن الربيع ، وقيل : بسبب جابر بن عبد الله ، إذ عاده رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى مرضه ؛ ورفعت ما كان فى الجاهلية من ترك توريث النساء والأطفال. وقيل : نسخت الوصية للوالدين والأقربين.
وإنما قال : «يوصيكم» بلفظ الفعل الدائم ، ولم يقل : أوصاكم ، تنبيها على نسخ ما مضى ، والشروع فى حكم آخر ، وإنما قال : (يوصيكم) بالاسم الظاهر ، أي : (الله) ولم يقل : نوصيكم ، لأنه أراد تعظيم الوصية ، فجاء بالاسم الذي هو أعظم الأسماء ، وإنما قال : (فى أولادكم) ولم يقل : فى أبنائكم ؛ لأن الابن يقع على الابن من الرضاعة ، وعلى ابن البنت ، وعلى الابن المتبنى ، وليسوا من الورثة ، فإن قيل : هلّا قال : للأنثيين مثل حظ الذّكر ، أو للأنثى