فالمطلوب : إما زيادة ما منحوه من الهدى والثبات عليه ، أو حصول المراتب المترتبة عليه ، فإذا قال العارف الواصل عنى بقوله : أرشدنا طريق السير فيك ، لتمحو عنا ظلمات أحوالنا ، وتميط غواشى أبداننا ، لنستضىء بنور قدسك فنراك بنورك. ه.
قلت : قوله الرابع ... إلخ ، فى عبارته قلق واختصار ، والصواب أن يقول : الرابع ـ أن يكشف عن قلوبهم الظلم والأغيار ، ويشرق عليها الأنوار والأسرار ، ويريهم الأشياء كما هى بالوحى والإلهام ، وباستعمال الفكرة فى عظمة الملك العلّام ، حتى تستولى أنوار المعاني على حسّ الأوانى ، ثم يقول : وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء.
وقوله : فإذا قال العارف .. إلخ ، الصواب أن يقول : فإذا قاله المريد السائر ؛ لأن الواصل انمحت عنه الظلمات كلها والغواشي وسائر الأكدار ؛ لأن الله تعالى غطّى وصفه بوصفه ونعته بنعته ، فلم يبق له وصف ظلمانى. وأيضا قوله : [أرشدنا إلى طريق السير] إنما يناسب السائر دون الواصل ؛ لأن الواصل ما بقي له إلا الترقي ، ولا يسمى فى اصطلاح الصوفية [السير] إلا قبل الوصول. والله تعالى أعلم.
ثم فسرّ الطريق المستقيم ، فقال :
(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧))
قلت : (صراط) بدل من الأول ـ بدل الكل من الكل ـ وهو فى حكم تكرير العامل من حيث إنه المقصود بالنسبة ، وفائدته : التوكيد والتنصيص على أن طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة ، على آكد وجه وأبلغه ؛ لأنه جعله كالتفسير والبيان له ، فكأنه من البيّن الذي لا خفاء فيه ، وأن الصراط المستقيم ما يكون طريق المؤمنين ، و (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بدل من (الذين) على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال. أو صفة له مبيّنة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهى نعمة الإيمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال ، وذلك إنما يصح بأحد تأويلين : إجراء الموصول مجرى النكرة ، إذ لم يقصد به معهود كالمعرّف فى قوله :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبنّى (١) ...
أو يجعل (غير) معرفة ؛ لأنه أضيف إلى ماله ضدّ واحد ، وهو المنعم عليه ، فيتعين تعين الحركة غير السكون ، وإلا لزم عليه نعت المعرفة بالنكرة. فتأمله.
__________________
(١) هذا شطر بيت ، وتمامه : (فمضيت ثمة قلت لا يعنينى).