والجود ، ولأدخلنكم جنة المعارف تجرى من تحتها أنهار العلوم وأنواع الحكم ، فمن لم يقم بهذا ، أو جحده فقد ضل عن طريق الرشاد ، ومن نقض عهد الشيوخ المعرفين بمقام الإحسان ، فقد طرد وأبعد غاية الإبعاد ، وقسا قلبه بعد اللين. وقد ذكرنا فى تفسير الفاتحة الكبير معنى النقباء والنجباء وسائر مراتب الأولياء ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ولما ذكر نقض اليهود ذكر نقض النصارى ، فقال :
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤))
يقول الحق جل جلاله : وأخذنا أيضا عهدا وميثاقا من النصارى ، الذين سموا أنفسهم نصارى ؛ ادعاء لنصرة عيسى عليهالسلام ولم يقوموا بواجب ذلك عملا واعتقادا ، أخذناه عليهم بالتزام أحكام الإنجيل ، وأن يؤمنوا بالله وحده لا شريك له ، ولا صاحبة ولا ولد ، وأن يؤمنوا بمحمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إن أدركوه ويتبعوه ، (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي : نسوا ما ذكرناهم به ، وتركوا حظا واجبا مما كلفوا به ، (فَأَغْرَيْنا) أي : سلطنا (بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، فهم يقتتلون فى البر والبحر ، ويتحاربون إلى يوم القيامة ، فكل فرقة تلعن أختها وتكفرها ، أو بينهم وبين اليهود ، فالعداوة بينهم دائمة ، (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) بالجزاء والعقاب.
الإشارة : يؤخذ من الآية أن من نقض العهد مع الله ؛ بمخالفة ما أمره به أو نهاه عنه ، أو مع أولياء الله ، بالانتقاد عليهم وعدم موالاتهم ، ألقى الله فى قلب عباده العداوة والبغضاء له ، فيبغضه الله ، ويبغضه عباد الله ، ومن أوفى بما أخذه الله عليه من العهد بوفاء ما كلفه به ، واجتناب ما نهاه عنه ، وتودد إلى أوليائه ، ألقى الله فى قلب عباده المحبة والوداد ، فيحبه الله ، ويحبه عباد الله ، ويتعطف عليه أولياء الله ، كما فى الحديث : «إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريل ، إنّ الله يحبّ فلانا فأحبّه ، فيحبّه جبريل. ثم ينادى فى الملائكة : إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه. فيحّبه أهل السّماء ، ثم يلقى له القبول فى الأرض» (١) ... الحديث.
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الأدب ، باب المقة «المحبه» من الله) ومسلم فى (البر والصلة ، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.