سورة المائدة
مدنية. وهى مائة وعشرون آية ، وألفان وثمان مائة وأربع كلمات ، وقرأها النبي صلىاللهعليهوسلم فى حجة الوداع ، وقال : «يا أيها الناس ، إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا ، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها» (١). وقال ابن عمر : (أنزلت سورة المائدة والنبي صلىاللهعليهوسلم على راحلته ، فلم تستطع أن تحمله حتى نزل). وهى مكملة لما تضمنته سورة النساء من عقود الأحكام الستة ، ولذلك افتتحها بالتوصية على الوفاء بها ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...)
أي : بالعهود التي عهدت إليكم أن تحفظوها ، وهى حفظ الأموال ، وحفظ الأنساب ، وحفظ الأديان ، وحفظ الأبدان ، وحفظ اللسان ، وحفظ الأيمان ، ثم مرّ معها على الترتيب ، فما ذكره هناك مستوفى ، لم يعد منه هنا إلا أصله ، وما بقي هناك فى أصل من الأصول الستة كمله هنا ، ولمّا ذكر فيما تقدم فى أول السورة حكم الأموال باعتبار الملك ، ولم يتكلم على ما يحل منها وما يحرم ، تكلم هنا على ذلك ، فقال :
(... أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١))
قلت : إضافة (بهيمة الأنعام) : للبيان ، كثوب خزّ ، أي : البهيمة من الأنعام ، و (غير محلى الصيد) : حال ، قال الأخفش : من فاعل «أوفوا» ، وفيه معنى النهى ، وقال الكسائي : من ضمير (لكم) ؛ كما تقول : أحل لكم الطعام غير مفسدين فيه ، فإن قلت : الحال قيد لعاملها ، والحلّية غير خاصة بوقت حرمة الصيد؟ قلت : لمّا كانت الحاجة إليها فى ذلك الوقت أكثر ، خص الحلية به ليكون أدعى للشكر ، ويؤخذ عموم الحلّية من سورة الحج (٢).
يقول الحق جل جلاله : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) أي : الأنعام كلها ، وهى الإبل والبقر والغنم ، (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) بعد فى قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...) الآية (٣) ، حال كونكم (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ)
__________________
(١) أخرجه الحاكم فى المستدرك (التفسير ٢ / ٣١١) موقوفا على (أم المؤمنين عائشة) رضى الله عنها. وصححه ووافقه الذهبي.
وفى الفتح السماوي (٢ / ٥٥٢) نقلا عن الحافظ ابن حجر : لم نقف عليه مرفوعا.
(٢) فى قول الله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ..) الآية / ٣٠.
(٣) الآية الثالثة من السورة نفسها.