(فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) ، كانوا يستنجون بالماء ، ويجمعون بين الماء والحجر ، أو يتطهرون من المعاصي والخصال المذمومة ، طلبا لمرضات الله تعالى ، أو من الجنابة ، فلا ينامون عليها ، (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) ؛ يرضى عنهم ، ويدنيهم من جنابه إدناء المحب لحبيبه.
وقيل : لما نزلت مشى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومعه المهاجرون ، حتى وقف على باب مسجد قباء ، فإذا الأنصار جلوس ، فقال : «أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا ، فأعادها ، فقال عمر : إنهم مؤمنون وأنا معهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : أترضون بالقضاء؟ فقالوا : نعم ، قال : أتصبرون على البلاء؟ قالوا : نعم ، قال : أتشكرون فى الرّخاء؟ قالوا : نعم ، فقال عليه الصلاة والسلام : مؤمنون وربّ الكعبة. فجلس ، ثمّ قال : يا معشر الأنصار ، إنّ الله عزوجل قد أثنى عليكم ، فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط؟ فقالوا : يا رسول الله ، نتبع الغائط الأحجار الثّلاثة ، ثم نتبع الأحجار الماء. فقال : (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا)» (١).
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ) ؛ بأن قصد به وجه الله ، وابتغاء مرضاته ، فحسنت النية فى أوله ، (خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى) قصد الرياء والمنافسة ، فكأنه بنى على (شَفا) أي : طرف (جُرُفٍ) : حفرة (هارٍ) أي : واه ضعيف ، أشرف على السقوط ، أو ساقط ، (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) أي : طاح فى جهنم ، وهذا ترشيح للمجاز ، فإنه لما شبهه بالجرف وصفه بالانهيار ، الذي هو من شأن الجرف ، وقيل : إن ذلك حقيقة ، وإنه سقط فى جهنم ، وإنه لم يزل يظهر الدخان فى موضعه إلى قيام الساعة.
والاستفهام للتقرير ، والذي أسس على التقوى والرضوان : هو مسجد قباء ، أو المدينة ، على ما تقدم ، والذي أسس على شفا جرف هار هو مسجد الضرار ، وتأسيس البناء على التقوى هو تحسين النية فيه ، وقصد وجه الله ، واظهار شرعه ، والتأسيس على شفا جرف هار هو فساد النية وقصد الرياء ، والتفريق بين المؤمنين ، وذلك على وجه الاستعارة والتشبيه البالغ. قاله ابن جزى. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى ما فيه صلاح ونجاة.
(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ) أي : مبنيهم ، مصدر بمعنى المفعول ، (الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً) أي : شكا ونفاقا (فِي قُلُوبِهِمْ) ، والمعنى : أن بناءهم هذا لا يزال سبب شكهم وتزايد نفاقهم ، فإنه حملهم على ذلك ، ثم لمّا هدمه الرسول صلىاللهعليهوسلم رسخ ذلك فى قلوبهم وازداد ، بحيث لا يزول رسمه من قلوبهم ، (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ) أي : تتقطع (قُلُوبِهِمْ)
__________________
(١) قال الحافظ ابن حجر فى الكافي الشاف : لم أجده هكذا ، وكأنه ملفق من حديثين ، فإن صدر الحديث أخرجه الطبراني فى الأوسط من حديث ابن عباس إلى قوله (ورب الكعبة) ، وروى بقيته ابن مردويه. انظر الفتح السماوي (٢ / ٧٠٤).