بالموت ، بحيث لا يبقى لها قابلية الإدراك ، أو لا يزال بنيانهم ريبة ، أي : شكا فى الإسلام بسبب بنيانه ، لاعتقادهم صواب فعلهم ، أو غيظا بسبب هدمه ، (وَاللهُ عَلِيمٌ) بنياتهم ، (حَكِيمٌ) فيما أمر من هدم بنيانهم.
الإشارة : من أراد أن يؤسس بنيان أعماله وأحواله على التقوى والرضوان ، فليؤسسه على الإخلاص والنية الحسنة ، ومتابعة السنة المحمدية ، فإنها لا تنهدم أبدا ، ومن أراد أن يؤسسها على شفا جرف هار فليؤسسها على الرياء والسمعة ، وقصد الكرامات وطلب الأعواض ، فإنها تنهدم سريعا ولا تدوم ، فما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل. وبالله التوفيق.
ثم ذكر كرامة أهل الإخلاص ، فقال :
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١))
قلت : جملة (يقاتلون) : حال من (المؤمنين) ؛ بيانا للشراء ، أو استئنافا ؛ لبيان ما لأجله الشراء ، وقيل : «يقاتلون» : بمعنى الأمر ، و (وعدا) : مصدر لما دل عليه الشراء ، فإنه فى معنى الوعد ، أي : وعدهم وعدا حقا لا خلف فيه.
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) أي : عوضهم فى بذل مهجهم وأموالهم فى سبيله الجنة ونعيمها ، ومن جملته : النظر إلى وجهه الكريم. قال بعضهم : فانظر .. ما أكرمه سبحانه ، فإنّ أنفسنا هو خلقها ، وأموالنا هو رزقها ، ثم وهبها لنا ، ثم اشتراها منا بهذا الثمن الغالي ، فإنها لصفقة رابحة. ه.
ثم بيّن وجه الشراء فقال : (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء كلمة الله ، (فَيَقْتُلُونَ) الكفار ، (وَيُقْتَلُونَ) شهداء فى سبيل الله. وقرأ الأخوان بتقديم المبنى للمفعول ؛ لأن الواو لا ترتب ، وأنّ فعل البعض قد يسند إلى الكل ، أي : فيموت بعضهم ويجاهد الباقي. وعد ذلك لهم (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ؛ لا خلف فيه ، مذكورا ذلك الوعد (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) أي : إن الله بيّن فى الكتابين أنّ الله اشترى من أمة محمد أنفسهم وأموالهم بالجنة ،