المعتاد ، وذلك أن الطرق التى يتقيد بها الكلام البديع المنظوم تنقسم إلى أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه ، ثم إلى أنواع الكلام الموزون غير المقفى ، ثم إلى أصناف الكلام المعدل المسجع ، ثم إلى معدل موزون غير مسجع ، ثم إلى ما يرسل إرسالا فتطلب فيه الإصابة والإفادة وإفهام المعانى المعترضة على وجه بديع ، وترتيب لطيف وإن لم يكن معتدلا فى وزنه ، وذلك شبيه بجملة الكلام الذى لا يتعمل ولا يتصنع له. وقد علمنا أن القرآن خارج من هذه الوجوه ومباين لهذه الطرق. ليس من باب السجع ولا فيه شىء منه ، وليس من قبيل الشعر ، لأن من الناس من زعم أنه كلام مسجع ، ومنهم من يدعى أن فيه شعرا كثيرا ، فهذا إذا تأمله المتأمل تبين بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم أنه خارج عن العادة وأنه خصوصية ترجع إلى جملة القرآن وتميز حاصل فى جميعه.
ومنها : أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرّف البديع والمعانى اللطيفة والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة والتناسب فى البلاغة ، والتشابه فى البراعة على هذا الطول وعلى هذا القدر ، وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة وألفاظ قليلة ، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال ، ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف ، ويقع فيها ما نبديه من التعمل والتكلف والتجوّز والتعسف ، وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسبا فى الفصاحة على ما وصفه الله تعالى به فقال عزّ من قائل : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فأخبر أن كلام الآدمى إن امتدّ وقع فيه التفاوت وبان عليه الاختلال ، وفى ذلك معنى ثابت وهو أن عجيب نظمه وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما يتصرف إليه من الوجوه التى يتصرف فيها ، من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام ، وإعذار وإنذار ، ووعد ووعيد ، وتبشير وتخويف ، وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة ، وغير ذلك من الوجوه التى يشتمل عليها. ونجد كلام البليغ الكامل والشاعر المفلق والخطيب المصقع يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور. فمن الشعراء من يجود فى المدح