لك بها الفضيلة بأتم مجاليها بل بتمام حقائقها ومعانيها هي تلك الدائرة التي جعلت مركزها باب مدينة العلم فاستقت من ينبوعه واستمدت من روحانيته وحلّقت في سماء المعارف الدينية والأخلاق الأدبية حتى بلغت ما شاءت هي وشاءت لها العناية.
نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من المباديء النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان ، وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوزاتها الحافلة بالفقه وهو في كل ذلك حلو المحاضرة سريع البداهة حسن الجواب نبيه الخاطر متوقد القريحة جريّ اللسان فهو يسير إلى النباهة والاشتهار بسرعة ويتقدم إلى النبوغ والظهور بقوة وبينا هو في خلال اشتغاله بطلب العلم كان يسنح على خاطره فيجري دفعاً على لسانه من دون أعمال فكر ومراجعة روية البيتان والثلاث والنتف والمقاطيع حسب ما يقتضيه المقام ويناسبه الوضع فيتلوها على الحضور أياًما كانوا قلة أو كثرة ضعة أو رفعة غير هيّاب ولا نكل فتستحسن منه وتستجاد وتستزاد وتستعاد ولكن نحو ما قال أحد الشعراء :
كلما قلت قال
أحسنتَ زدني |
|
وبأحسنتَ لا
يباع الدقيق |
برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين وأصبح من الشعراء المعدودين الذين تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم ، واقترن بأحد كرائم قومه وعاد ذا عيلة فاشتدت وطأة الدهر عليه وصارت تعتصره كل يوم عصّارة الحدثان وتكتظه صبّارة الصرفان وهو يتلوّم تارة ويتبرّم واخرى يصبر أو يتصبر وطوراً يضج في أشعاره ويتضجر وأعظم ما هنالك رزية أنه يجتلب مسكة رمقه ودرّة عيشه من ضرع قلمه وشق قصبته. وإذا كان الشعر مرآة الشعور ومظهر حقيقة قائلة وتمثال شمائله ومخائله فاقرأ ما شئت من ألوان شعره لتراه محلّقاً في جميع ضروب الشعر وآفاقه سباقاً إلى اختراق معانيه ومثالا لمصداقه سيما في الرثاء فقد قال من قصيدة عصماء يرثي المرحوم الميرزا حسن الشيرازي :