الأمر الثالث
انه لا شبهة ولا ريب في ان موافقة الكتاب من المرجحات كما مر في الروايات ومخالفته موجبة لسقوط المخالف عن الحجية والمخالفة والموافقة تارة تكون في مقام ترجيح بعض الروايات على البعض في مقام التعارض وتارة في مقام أصل إثبات الحجية من جهة ان المخالف مما هو زخرف عندهم عليهمالسلام ولم يقولوا به وان نسب إليهم عليهمالسلام كذبا.
فإذا عرفت ذلك فهنا يجيء إشكال وهو ان الرواية التي خالفت الكتاب لا تكون حجة من رأسها لأنها مخالفة فلا تصل النوبة إلى المعارضة ثم ملاحظة الترجيح لأن ما لم يكن حجة لا يقاوم مع ما هو الحجة والبحث في الترجيح فرع حجية الروايتين وإلّا فلا معارضة بين الحجة واللاحجة فكيف جعلت الموافقة للكتاب أمارة الراجحية والمخالفة أمارة المرجوحية.
والجواب عن هذا الإشكال هو ان الروايات في باب موافقة الكتاب ومخالفته على طائفتين الأولى ما دل على ان ما خالفه (١) زخرف أو باطل أو لم يقولوه أو اضربه على الجدار ونحو ذلك مما ورد في مقام طرح الخبر المخالف والثانية الاخبار الواردة في خصوص مقام التعارض بين الروايات كما مر والعمل بما وافق الكتاب وعدم العمل بما خالفه وقد اضطربت الكلمات في الجمع بين الطائفتين ولذا جعلت الموافقة للكتاب أول المرجحات كما ان الإشكال بعينه يكون بالنسبة إلى موافقة العامة ومخالفتهم فان الخبر الّذي لم يكن سليم الجهة وكان عن تقية لا حجية له من أصله ولا يعارض مع ما هو الحجة فقيل فيها أيضا بأنها أول المرجحات من هذا الباب.
__________________
(١) قد مر مصدر الروايات عند التعرض لاخبار العلاج وهي في الوسائل ج ١٨ باب ٩ من أبواب صفات القاضي وغيره.