العرب ، والقرآن الكريم نزل بلسان العرب ، وقد أدرك العرب هذه الصلة ، وفهموا ما كان بين القرآن وهذه اللغة من صلة حميمة ، فاتجهوا إلى الشعر يدرسونه ويكشفون عن خصائصه لكي يعينهم ذلك على فهم النص القرآني وبيان دلالاته (١).
ولعلّ الصحابي الجليل عبد الله بن عبّاس (ت ٦٨ ه) من أقدم من نهج في تفسير القرآن الكريم هذا النهج اللغوي ، إذ كان يفسر غريبه بالشعر العربي القديم ، وفي إجابته عن سؤالات نافع بن الأزرق من هذا شيء كثير (٢). وقد ذكر السيوطي قوله : «إنّ الشعر ديوان العرب ، فإذا أخفى علينا الحرف من القرآن الّذي أنزله الله بلغة العرب ، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا ذلك منها» (٣).
فلا غرابة ـ بعد ذلك ـ أن يسير بعض من المؤلّفين في الدلالة القرآنية على نهج ابن عبّاس ، فيهتّموا بالشاهد الشعري ، ولا غرابة أن يأخذ هذا الشاهد مكانه في المؤلّفات الأولى في اللغة والنحو (٤) ، فقد استشهد النحاة واللغويّون بالشعر والرجز ، البيت أو الأبيات ، الشطر وجزء الشطر ، المعروف القائل أو المجهول ، حتّى أخذ بعض الدارسين المحدثين على أولئك القدماء اعتمادهم الزائد على الشعر دون النثر (٥).
وقد ظهرت عند علماء العربية ضوابط ومعايير حددوها لهذا النوع من الشواهد لعلّ أبرزها معيار الفصاحة للقبائل أو للشعراء الّذين يحتجّ بشعرهم ، أو معيار الزمن الّذي يقف فيه عصر الاحتجاج إذ أخذ علماء اللغة والنحو مادتهم عن قبائل منها : «قريش ... ثمّ من اكتنفهم من ثقيف ، وهذيل ، وخزاعة ، وبني كنانة ، وبني أسد ، وبني تميم ، وأمّا من بعد عنهم فلم يؤخذ عنهم» (٦) ، ولم
__________________
(١) ينظر المدخل إلى البلاغة العربية : ١٦.
(٢) ينظر سؤالات نافع بن الازرق ، والتفسير والمفسّرون ، ١ : ٧٤.
(٣) الإتقان ، ١ : ١٩٩.
(٤) ينظر منهج الخليل في دراسة الدلالة القرآنية : ١٩٣.
(٥) ينظر الشواهد والاستشهاد في النحو : ١٣١ وما بعدها.
(٦) المقدّمة : ١٧٢.