العلم ، فما خصّصنا معلوما إلّا بمعلوم ، ولا اعتبار بطريق هذا العلم ، كان ظنّا أو غيره.
ومن أقوى ما احتجّ به من نفي تخصيص العموم بالقياس أنّه لا خلاف بين مثبتيه في أن الشّرط في استعماله الضرورة إليه ، وسلامته من أن تكون الظّواهر دافعة له ، وهذا الشرط يمنع من تخصيص الكتاب والسنّة المعلومة المقطوع عليها به.
ووجدت بعض من خالف في ذلك يقدح في هذه الطريقة ، بأن يقول : إذا خصّصنا العموم بالقياس ، فقد استعملناه فيما لا نصّ فيه يخالفه ، وإنّما يدفع النصّ القياس إذا كان المراد بذلك النصّ معلوما ، فأمّا ما يتناول اللّفظ في الظّاهر لا يكون دافعا ، فإن أردتم الأوّل ، فهو مسلّم ، ولا يمنع من التخصيص بالقياس ، وإن أردتم الثاني ، فغير مسلّم ، وهو موضع الخلاف.
وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ مراد الله تعالى إنّما يعلم بخطابه ، فإذا كان ظاهر خطابه ينافي القياس ، فقد زال الشّرط في صحّة القياس ، فكيف السبيل إلى العلم بمراده إلّا من جهة خطابه.
وبعد ، فمعلوم بغير شبهة ان للقياس في تخصيص العموم شرطا ليس هو للدليل العقليّ ، ولا للسنّة المقطوع عليها ، وقد بيّنّا أنّا نترك ظاهر الكتاب ونخص عمومه بدليل العقل ، والسنّة المعلومة ، والإجماع ، فيجب مع هبوط درجة القياس عنها ألّا ندع به ظاهر العموم ، وأن نكتفي في الدفع له بتناول ظاهر الكتاب بخلاف موجبه ، حتّى يكون القياس بخلاف الأدلّة القاطعة.
وليس يمكن أن يدّعوا أنّ الفرق بين القياس وغيره من الأدلّة القاطعة أنّ القياس لا يستعمل مع العلم بأنّ مراد الله تعالى بخطابه خلافه.
قلنا : ولا شيء من الأدلّة يستعمل مع ذلك.
فإذا قيل ما عدا القياس من الأدلّة يمنع من أن يعلم من مراد الله خلافها ؛ لأنّ ذلك يقتضي تعارض الأدلّة وتناقضها ، وهذا جائز في القياس.