المقالة الثانية :
ذكرنا في ما مضى التأثير البالغ للعوامل البيئية في تربية الشخص. ويمكن البحث عن هذه العوامل في المحيط العائلي ، والمجتمع ، والأصدقاء والأقارب ؛ فالسيّد المرتضى كان قد توفرت له تلك العوامل بشكل تام وكامل. ومن هذه العوامل يمكن أن نشير له إلى ما يلي :
١ ـ لقد مرّ أن أسرة السيّد المرتضى سواء من جانب والده أو والدته كانت تمتاز بمكانتها الرفيعة حاملة لواء العلم والسياسة فهو ومنذ أن فتح عينيه على الدنيا لم يلحظ إلّا بيتا عامرا بالتقوى والدين والعلم والجهاد والنضال فمثل هذه البيئة ـ كما هو واضح ـ يمكن أن تلعب دورا بارزا في تربية الإنسان المستعدّ.
لكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أنّ هذه البيئة لا يمكنها لوحدها أن تكون كفيلة بتربية وتكامل وتقويم شخصية ما ، بل ينبغي أن تتوفّر أرضية تربوية أخرى.
٢ ـ يظهر أنّ أهمّ أرضية كانت قد توفّرت للسيّد المرتضى وساعدت في تطوره وتكامله هي البيئة الثقافية في مدينة بغداد. فهذه المدينة ورغم أنها كانت قد أنشأت لتكون حصنا [موقعا] عسكريا إلّا أنها سرعان ما تحوّلت إلى مدينة ثقافية.
وكان علماء وكبار الشيعة قد لعبوا دورا مؤثّرا في تطوّر هذا المظهر الجديد لمدينة بغداد فقد كانوا إمّا من ساكني هذه المدينة من الأساس أو ممّن يتردّدون عليها وقد ورد في أحوال هشام بن الحكم الكلامي المعروف والّذي كان من
__________________
ـ متوجّه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين هجرية ، إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهماالسلام ، للتعريف هناك ، فسألني عن متوجّهي فذكرت له إلى أين مقصدي ، فقال لي : متى كان ذلك؟ يعني أن جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبراءة ممّن قال بالقطع ، وهو عارف بأن الإمامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنّما أراد التنكيت لي ، والطعن على ديني ، فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوى عزمي ، على عمل هذا الكتاب إعلانا لمذهبي ، وكشفا عن مغيبي ، وردّا على العدوّ الّذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمّي وقصبي خصائص الأئمّة : ٣٧ و ٣٨.