الجواب : قلنا : في ذلك وجوه.
أوّلها : أن يكون المراد بقوله تعالى : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) أي أسمع دعوته ؛ ولهذا يقال للرجل : دعوت من لا يجيب أي دعوت من لا يسمع. وقد يكون أيضا يسمع بمعنى يجيب ؛ كما كان يجيب بمعنى يسمع ؛ يقال : سمع الله لمن حمده ؛ يراد به : أجاب الله من حمده وأنشد ابن الأعرابيّ :
دعوت الله حتى خفت ألّا |
|
يكون الله يسمع ما أقول |
أراد يجيب ما أقول.
وثانيها : أنّه تعالى لم يرد بقوله : (قَرِيبٌ) من قرب المسافة ؛ بل أراد إنّني قريب بإجابتي ومعونتي ونعمتي ، أو بعلمي بما يأتي العبد ويذر ، وما يسّر ويجهر ، تشبيها بقرب المسافة ؛ لأن من قرب من غيره عرف أحواله ولم تخف عليه ؛ ويكون قوله : (أُجِيبُ) على هذا تأكيدا للقرب ؛ فكأنّه أراد : إنّني قريب قربا شديدا ، وإنّني بحيث لا يخفى عليّ أحوال العباد ؛ كما يقول القائل إذا وصف نفسه بالقرب من صاحبه والعلم بحاله : أنا بحيث أسمع كلامك ، وأجيب نداءك ، وما جرى هذا المجرى. وقد روي أنّ قوما سألوا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا له : أربّنا قريب فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وثالثها : أن يكون معنى هذه الآية أنّني أجيب دعوة الداعي إذا دعاني على الوجه الصحيح ، وبالشرط الذي يجب أن يقارن الدعاء ؛ وهو أن يدعو باشتراط المصلحة ؛ ولا يطلب وقوع ما يدعو به على كلّ حال ؛ ومن دعا بهذا الشرط فهو مجاب على كلّ حال ؛ لأنّه إن كان صلاحا فعل ما دعا به ؛ وإن لم يكن صلاحا لم يفعل لفقد شرط دعائه ، فهو أيضا مجاب إلى دعائه.
ورابعها : أن يكون معنى (دَعانِ) أي عبدني ، وتكون الإجابة هي الثواب والجزاء على ذلك ؛ فكأنّه قال : إنّني أثيب العباد على دعائهم لي ؛ وهذا ممّا لا اختصاص فيه.
وخامسها : ما قاله قوم من أنّ معنى الآية أنّ العبد إذا سأل الله تعالى شيئا في