أكثر من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم ، فهو لا يكاد يمرّ بمسألة إلّا ويذكر لها ما يناسبها من آي القرآن الكريم ، وفي كثير من الأحيان لا يكتفي بشاهد واحد ، بل يسوق أكثر من شاهد في المسألة الواحدة. فالرجل يستنطق القرآن نفسه ، ويطبق الآراء الّتي استقاها من السياق القرآني ويسخرها أداة في التفسير ، وهو حين يفسر آية بأخرى ، وهي ليست ذات دلالة قطعية ، قد يستند إلى فهم آخر قد يكون عقليّا أو لغويا ، فهو يستعين بأكثر من أداة لأجل توضيح الآية دلاليا.
الدلالة السياقيّة
السياق هو «النظم اللفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم» (١) ولا شكّ في أنّ عددا من المفردات قد لا يتّضح معناها بدقّة في ضوء التفسير المعجمي لها ، لذا «يظلّ تحديد معنى الكلام محتاجا إلى مقاييس وأدوات أخرى غير مجرّد النظر إلى القاموس» (٢) ، ذلك أنّ المعنى المعجمي الّذي يدور حول الكلمة المفردة متعدّد ومحتمل ، وهو قابل للدخول في سياق معيّن ، ولا يحدد هذا المعنى إلّا السياق الّذي لا يقبل التعدّد أو الاحتمال. «ففي كلّ مرّة تستعمل فيه الكلمة تكتسب معنى محددا مؤقتا ، ويفرض السياق قيمة واحدة على الكلمة هي المعنى الّذي تدلّ عليه في سياق معيّن دون آخر» (٣). وعلى هذا فإنّ السياق يخلص الكلمة من ركامها الدلالي عبر التأريخ ، وفي هذا يقول فندريس : «ويخلص الكلمة من الدلالات الماضية الّتي تدعها الذاكرة تتراكم عليها ، وهو الّذي يخلق لها قيمة حضورية» (٤).
وقد كانت نظرية السياق واحدة من نتائج البحث الدلالي الحديث ، بيد أنّنا نلمس جذورها في كتب النقد العربية القديمة ، إذ كانت أهمّيّة النص الهاجس الأوّل لدي كتابنا القدماء ولغويينا العرب (٥). وفي إشارة إلى أهمّيّة السياق يرى
__________________
(١) دور الكلمة في اللغة : ٥٤ ـ ٥٥.
(٢) علم اللغة : ٢٩٠ ، والصحيح «المعجم» بدل «القاموس».
(٣) منهج البحث اللغوي : ٩٤.
(٤) اللغة : ٤٣.
(٥) ينظر علم الدلالة العربي : ٣٢.