عبد القاهر الجرجاني أنّ الكلمة في ذاتها ليست جيّدة ولا رديئة ، لكنّها تحسن في موضع وتسوء في آخر ، إذ يقول : «إنّ الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجرّدة ، ولا من حيث هي كلم مفردة ، وأنّ الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى الّتي تليها ، وما أشبه ذلك ، ممّا لا تعلّق له بصريح اللفظ» (١).
وقد أولى المهتّمون بالدراسات اللغوية الحديثة عناية خاصّة بهذا البعد في الدلالة اللغوية ، ونظروا إلى نظرية السياق على أنّها حجر الأساس في علم المعنى ، وإلى ذلك أشار ستيفن بقوله : «إنّ نظرية السياق ـ إذا طبقت بحكمة ـ تمثل حجر الأساس في علم المعنى» (٢). وقسم من هؤلاء لا يتورّع في المبالغة في هذا المفهوم ، بحيث يرى أن لا معنى للكلمة المفردة من غير أن تكون داخل السياق ، وفي هذا يقول راسل : «الاستعمال يأتي أوّلا وحينئذ يتقطر المعنى» (٣).
وعلى الرغم من أنّه «لا يمكن فهم أية كلمة على نحو تام ، بمعزل عن الكلمات الأخرى ذات الصلة بها ، والّتي تحدد معناها» (٤) ، ولكن هذا لا يمنع من القول : «إنّ في كلّ كلمة نواة صلبة من المعنى ، ثابتة ـ نسبيا ـ ويمكن تكييفها بالنصّ ضمن حدود معيّنة» (٥). وبهذا لا نلغي المعنى الأساسي للكلمة المفردة ، ولا نقلل من أهمّيّة السياق في إعطاء الكلمة أثرها على وفق نظمها بين الكلمات الأخرى.
وبعد هذا المدخل نحاول أن نتعرف رأي الشريف المرتضى في هذا الشأن ، ومن ثمّ بيان أهمّية السياق عنده ، وكيف كان ينظر إلى الكلمات وهي مفردة؟ ثمّ إليها وهي مؤلّفة في سياقات مختلفة.
لقد أدرك الشريف المرتضى أن في الألفاظ مركّبة دلالة مستنبطة هي غير دلالتها المجرّدة ، ولذا فهو يصرح بأن «اللفظ إذا تعقّبة غيره تغيّرت حاله ... ألا
__________________
(١) دلائل الإعجاز : ٤٦.
(٢) دور الكلمة في اللغة : ٥٩.
(٣) علم الدلالة ، أحمد مختار عمر : ٧٢.
(٤) اللغة والمعنى والسياق : ٨٣.
(٥) منهج البحث اللغوي : ٩٤.