ه) يرجح قراءة الرفع ويحتجّ لها بقوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (١) ، وفي هذا يقول : «ويقوى رفعه ، رفع «البرّ» الثاني ، الّذي معه الباء إجماعا في قوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا) ولا يجوز فيه إلّا رفع «البرّ» فحمل الأوّل على الثاني أولى من مخالفته» (٢).
ووقف المرتضى عند قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣) ، وفي بيانه لدلالة الآية يذكر المرتضى أن الله سبحانه وتعالى إنّما أراد نفي تكذيبهم بقلوبهم تدينا واعتقادا ، وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب ، لأنه قد كان في المخالفين له عليهالسلام من يعلم صدقه ، وهو مع ذلك معاند ، فيظهر خلاف ما يبطن (٤). ثمّ يشير إلى قراءة الكسائي بقوله : وكان الكسائي يقرأ : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) بالتخفيف ونافع من بين سائر السبعة ، والباقون على التشديد ؛ ويزعم أن بين أكذبه وكذبه فرقا ، وأن معنى أكذب الرجل ، أنه جاء بكذب ، ومعنى كذبته أنه كذّاب في كلّ حديثه ، وهذا غلط ، وليس بين «فعلت» و «أفعلت» في هذه الكلمة فرق من طريق المعنى أكثر ممّا ذكرناه من أن التشديد يقتضي التكرار والتأكيد ...» (٥).
فالمرتضى ـ هنا ـ لا يرد قراءة (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) بالتخفيف ، أي سكون الكاف وتخفيف الذال ، ولكنّه يرفض توجيه الكسائي لها ، ولا يرى فرقا بين القراءتين أكثر من كون قراءة التشديد (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) بفتح الكاف وتشديد الذال ، تقتضي التكرار والتأكيد. ولعلّ قول الكسائي أن بين أكذبه وكذبه فرقا هو الأقرب إلى الواقع اللغوي ، لأنّه لو لم يختلف المعنى لم تختلف الصيغة ، إذ كلّ عدول عن صيغة إلى أخرى لا بدّ أن يصحبه عدول عن معنى إلى آخر إلّا إذا كان
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٩.
(٢) الكشف عن وجوه القراءات ، ١ : ٢٨١ ، وينظر التبيان في إعراب القرآن ، ١ : ١٤٣.
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ٣٣.
(٤) ينظر أمالي المرتضى ، ٢ : ٢٦٤.
(٥) أمالي المرتضى ، ٢ : ٢٦٧ ، وينظر الروضة في القراءات الاحدى عشرة : ٥٢١ ، والكشّاف ، ٢ : ١٤ ، والنشر في القراءات العشر ، ٢ : ـ ٢٥٧ : ٢٥٨ واتحاف فضلاء البشر : ٢٠٧.