والمعنى : أن تسخرا ، ف «ألّا» زائدة ، ودخولها مغيّر للمعنى قبل التأمّل.
وأمّا حملهم طلب التدنّي على الفصاحة على أن يزيدوا حروفا تغيّر ظاهرها المعنى ، فالاولى أن يفعلوا ذلك فيما لا يغيّر ظاهر زيادته معنى.
وأظنّ أنّي قد أمليت في بعض كلامي وجها غريبا ينافي زيادة «لا» في قوله تعالى : «وما منعك ألا تسجد» ، وهو أن يكون المعنى : ما حملك على أن لا تسجد ، ودعاك إلى أن لا تسجد ؛ لأنّ إبليس ما امتنع من السجود إلّا بداع إليه وحامل عليه ، والداعي والحامل إلى أن لا يسجد مانع من السجود ، فأورد لفظة «المنع» ويبنى الكلام على معناها ، فأدخل لفظة «لا» بناء على المعنى لا اللفظ. وهذا لطيف من التعلّل.
ويمكن في قوله «ألّا تسخرا» ما يقارب ذلك من الحمل على المعنى ؛ لأنّ الغرض بالكلام إني لا الزمن (١) أن تسخرن مع مشاهدة الشعر الأبيض ، فأدخل لفظة «لا».
ويجوز أن يكون سبب إدخالها أنّ معنى كلامه : إنّي لا ألوم البيض طالبا أن لا تسخرا. وأريد ألّا يكون ذلك منهنّ ؛ لأنّ من يبرأ من لوم البيض على أن يسخرن ، فقد يبرأ من أن يلومهنّ طالبا ألّا يسخرن ، فلفظة «لا» هاهنا مفيدة غير زائدة.
ولو تعاطينا ذكر ما نقل من كلام العرب المحمول على المعنى ، وما ورد به القرآن من ذلك لأطلنا.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) (٢) ولا يقال : بوّأت لفلان منزلا ، وإنّما يقال : بوأته ، لكنّه أراد بمعنى بوّأت وهو جعلت ؛ لأنّ من بوّء فقد جعل ، وقول الشاعر :
جئني بمثل بني بدر لقومهم |
|
أو مثل إخوة منظور بن سيّار |
فنصب لفظة «مثل» ولم يعطفها بالجرّ على ما عملت فيه الباء ؛ لأنّ
__________________
(١) ظ : ألومن.
(٢) سورة الحج ، الآية : ٢٦.