معنى : جئني هات واحضرني ، فلحظ معنى الكلام دون لفظه ، وبنى الكلام عليه ، وهذا الجنس أكثر من أن يحصى (١).
[الثاني : قيل : إنّ قوله تعالى :] (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) مجمل ، وجعل بيانه فعله عليهالسلام ، فاعتمد هذا القائل على أن الباء تقتضي الالصاق ، من غير أن تقتضي القدر الّذي يمسح من الرأس ، فيحتاج فيها إلى بيان.
وهذا يجب أن يتأمّل ؛ لأنّ في الناس من ذهب في الباء إلى أنّها لإلصاق الفعل بالمفعول ، وفيهم من ذهب إلى أنّها للتبعيض (٢). ومن قال بالأوّل اختلفوا : فمنهم من يقول : أنّها تقتضي الإلصاق بكلّ العضو المذكور ، وهو مذهب الحسن البصريّ ومالك وأبي عليّ الجبائيّ ، ومنهم من يقول : أنّها تقتضي الإلصاق على الجملة ، من غير اقتضاء لكلّ ، أو بعض. وعلى المذهب الأوّل لا إجمال في الآية ؛ لأنّها إذا دلّت على مسح جميع الرأس فقد زال الإجمال. وعلى المذهب الثاني ـ وهو الإلصاق المطلق ـ لا بدّ من ضرب من الإجمال ؛ لأنّنا لا نعلم من هذا الظاهر أنّ المراد مسح الجميع ، أو مسح بعض غير معيّن أو بعض معيّن ، فلا بدّ من بيان. وكذلك القول في مذهب من قال : أنّها تقتضي التبعيض ؛ لأنّه بمنزلة أن يقول : «امسحوا بعض رؤوسكم» فإذا لم يبيّن تعيينا ولا تخييرا ، فهو مجمل.
فإذا قيل : لو تعيّن البعض لبيّنه ، فإذا لم يبيّنه ؛ دلّ على أنّا مخيّرون.
قلنا : ولو كان المراد التخيير ، لبيّنه فيجب أن يكون معيّنا (٣).
[السابع : وفيه موضعان :]
[الأوّل :] وممّا انفردت به الإمامية القول بوجوب مسح الرجلين على طريق التضييق ، ومن غير تخيير بين الغسل والمسح على ما ذهب إليه الحسن البصري ومحمّد بن جرير الطبري وأبو علي الجبّائي (٤) ، وكان إيجاب المسح تضييقا من
__________________
(١) الرسائل ، ٢ : ٦٧.
(٢) انظر الأحكام (للآمدي) ، ٣ : ١٠.
(٣) الذريعة ، ١ : ٣٤٨.
(٤) المغني (لابن قدامة) ، ١٢١ : ١.