غير بدل يقوم مقامه هو الذي انفردت به الإمامية في هذه الأزمنة ؛ لأنّه قد روي القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس «رضي الله عنه» وعكرمة وأنس وأبي العالية والشعبي وغيرهم (١) وهذه المسألة ممّا استقصينا الكلام عليها في مسائل الخلاف ؛ وبلغنا فيها أقصى الغايات ، فانتهينا في تفريع الكلام وتشعيبه إلى ما لا يوجد في شيء من الكتب غير أنّا لا نخلّي هذا الموضع من جملة كافية.
والذي يدلّ على صحة مذهبنا في إيجاب المسح دون غيره ـ مضافا إلى الاجماع الذي عولنا في كل المسائل عليه ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فأمر بغسل الوجوه وجعل للأيدي حكمها في الغسل بواو العطف ، ثم ابتدأ جملة أخرى فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) فأوجب بالتصريح للرؤس المسح وجعل للأرجل مثل حكمها بالعطف ، فلو جاز أن يخالف بين حكم الأرجل والرؤس في المسح جاز أن يخالف بين حكم الوجوه والأيدي في الغسل ؛ لأنّ الحال واحدة.
وقد أجبنا عن سؤال من يسألنا فيقول : ما أنكرتم أن الأرجل إنّما انجرت بالمجاورة لا لعطفها في الحكم على الرؤس بأجوبة : منها : أن الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها ، ولا يقاس عليها سواها بغير خلاف بين أهل اللغة ، ولا يجوز حمل كتاب الله عزوجل على الشذوذ الذي ليس بمعهود ولا مألوف.
ومنها : أنّ الاعراب بالمجاورة عند من أجازه إنّما يكون مع فقد حرف العطف ، وأيّ مجاورة تكون مع وجود الحايل ، ولو كان ما بينه وبين غيره حائل مجاورا لكانت المفارقة مفقودة ، وكلّ موضع استشهد به على الاعراب بالمجاورة مثل قولهم : «جحر ضب خرب» و
__________________
(١) نفس المصدر ، ١ : ١٢٠.