الأحوال على وجه من الوجوه وبدليل من الأدلة ، والقديم تعالى وإن لم يوصف بأنّه وليّنا بمعنى إقامة الحدود علينا ، فهو يوصف بذلك بمعنى أنه أملك بتدبيرنا وتصريفنا ، وأن طاعته تجب علينا ، وهذا المعنى هو الذي يجب للرسول والإمام ، ويدخل تحته إمضاء الحدود والأحكام وغيرها ؛ لأن إمضاءها جزء مما يجب طاعته فيه ، غير أن ما يجب لله تعالى لا يصحّ أن يقال : إنّه مماثل لما يجب للرسول والإمام بالاطلاق ؛ لأن ما يجب له عزوجل آكد مما يجب لهما من قبل أن ما يجب لهما راجع إلى وجوب ما وجب له عزوجل ، ولو لا وجوبه لم يجب.
وقول صاحب الكتاب : «لا يقال ذلك في الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم» طريف ؛ لأنا لا نعلم مانعا من أن يقال ذلك في الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو أحد ما يجب طاعته فيه ، وكيف لا يقال؟ ونحن نعلم أن الإمام بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم خليفة له وقائم فيما كان يتولاه ويقوم به مقامه ، وإذا كان إلى الإمام إقامة الحدود وإمضاء الأحكام ، فلا بدّ أن يكونا إلى من هو خليفة له وقائم فيها مقامه.
وليس له أن يقول : إنما عنيت ان الرسول لا يوصف بإمضاء الحدود وإقامة الأحكام على الحدّ الذي يوصف به الإمام ، ولم أرد أنه لا يوصف بهما أصلا ؛ لأنّه لا مانع من أن يوصفا جميعا بما ذكره على حدّ واحد من قبل أن المقتضي له فيهما واحد ، وهو فرض الطاعة ؛ وإن كانا يختلفان من حيث كان أحدهما نبيّا والآخر إماما ، وليس لاختلافهما من هذا الوجه مدخل فيما نحن فيه.
فأمّا حمله لفظة «وليّ» على معنى التولّي في الدين المذكور في الآية الثانية (١) فغير صحيح ؛ لأنّه غير ممتنع أن يخبر تعالى بأنه وليّنا ورسوله ومن عناه ب (الَّذِينَ آمَنُوا) ثمّ يوجب علينا في الآية الثانية توليهم ونصرتهم ، ويخبرنا بما لنا فيهما من الفوز والظفر ، وإذا لم يمتنع ما ذكرناه وكنا قد دلّلنا على وجوب تناول الآية الأولى لمعنى الإمامة فقد بطل كلامه.
قال صاحب الكتاب ـ بعد أن ذكر شيئا قد مضى الكلام عليه «وقد ذكر
__________________
(١) وهي قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) [المائدة : ٥٦].