قال : «ومثل هذا الجمع في لغة العرب لا يجوز أن يراد به الواحد ، وإنّما يجوز ذلك في مواضع مخصوصة».
قال : «والمقصد بالآية مدحهم ، فلا يجوز أن يحمل على ما لا يكون مدحا ، وإيتاء الزكاة في الصلاة مما ينقض (١) أجر المصلّي ؛ لأنّه عمل في الصلاة ، فيجب أن يحمل على ما ذكرناه من أنه أداء الواجب ، ومما يبيّن صحّة هذا الوجه أنه أجرى الكلام على طريق الاستقبال ؛ لأن قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) لا يدخل تحته الماضي من الفعل ، فالمراد الذين يتمسكون بذلك على الدوام ويقومون به ، ولو كان المراد به أن يزكوا في حال الركوع لوجب أن يكون ذلك طريقة لفضل الزكاة في الصلاة وأن يقصد إليه حالا بعد حال ، فلمّا بطل ذلك علم أنه لم يرد به هذا المعنى ، وأنه أريد به الذين يقيمون الصلاة في المستقبل ، ويدومون عليها ، ويؤتون الزكاة وهم في الحال متمسّكون بالركوع وبالصلاة ، فجمع لهم بين الأمرين ، أو يكون المراد بذكر الركوع الخضوع على ما قدّمنا ذكره ؛ لأن الركوع والسجود قد يراد بهما هذا المعنى.
وقد أنشد (٢) أبو مسلم (٣) لما ذكر هذا الوجه ما يدل عليه ، وهو قول الأضبط بن قريع :
لا تحقرن الفقير علّك أن |
|
تركع يوما والدهر قد رفعه |
وقال : والذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الذين وصفهم (٤) من قبل بأنه يبدل المرتدّين بهم (٥) بقوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وأراد به طريقة التواضع (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (٦) وكل ذلك يبيّن أن المراد بالآية الموالاة في الدين ؛ لأنّه قد قيل فكأنه قال : إنما الذي ينصركم ويدفع عنكم لدينكم هو الله ورسوله والذين آمنوا.
__________________
(١) في المغني بالصاد المهملة والمعنى متقارب.
(٢) في المغني «وقد استدل».
(٣) أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني.
(٤) في المغني «وهو الذي وصف».
(٥) في المغني «منهم».
(٦) سورة المائدة ، الآية : ٥٤.