واردة في السبب بخلاف ما ادّعاه الخصوم ، وأنه عليهالسلام خرج إليه لما خلفه باكيا مخبرا بما هو عليه من الوحشة له ، والكراهة لمفارقته ، فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا القول وليس بنكر وورد بعض الأخبار بما ذكروه ، غير أن ورودها بخلافه أظهر وأشهر ، وكيف لا يكون ما حكي من السبب الذي هو إرجاف المنافقين مستبعدا ، بل مقطوعا على بطلانه ، ونحن نعلم أنّه لا يصحّ أن تدخل شبهة على عاقل توهّمه تهمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمير المؤمنين عليهالسلام وخوفه منه ، وتحرزه من ضرره ، هذا مع ما كان ظاهرا منه عليهالسلام من الأقوال والأفعال الدالّة على عظم محلّه وشدّة اختصاصه ، وانه قد بلغ النهاية في النصيحة والمحبّة ، ولم يكن ما ظهر مما ذكرناه أمرا يشكل مثله فيحتاج فيه إلى الاستدلال والنظر ، بل كان ممّا يضطرّ العقلاء وغير العقلاء إن كانوا ممّن يجوّز أن يضطر إلى ما لا يتطرّق معه تهمة ولا تتوجّه ظنّه ، فليس يخلو المنافقون الّذين ادعى عليهم الإرجاف من أن يكونوا عقلاء مميّزين أو نقصاء مجانين ، فإن كانوا عقلاء فالعاقل لا يصحّ دخول الشبهة عليه في الضروريات ، وإن كانوا من أهل الجنون والنقص فإرجافهم غير مؤثر ، ولا معتد به ، وقد كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غير محتاج إلى الردّ عليهم ، والإبطال لقولهم ، وهذه الجملة تكشف عن بطلان قول من ادّعى أنّ السبب كان إرجاف المنافقين ، ويقتضي القطع على كذب الرواية الواردة بذلك.
ثمّ يقال له : اعمل على أن السبب ما ذكرته واقترحته ، وأن المراد ما وصفته من إفادة لطف المحل ، وقوّة السّكون ، وشدّة الاختصاص ، فما المانع ممّا قلناه وتأولنا الخبر عليه؟ وأي تناف بين تأويلك وتأويلنا؟ وإنّما يكون كلامك مشتبها ولك فيه أدنى تعلّق لو كان ما وصفته من المراد مانعا مما ذهبنا إلى أنّه المراد حتّى لا يصحّ أن يراد جميعا ، فأمّا والأمر بخلاف ذلك فلا شبهة في كلامك ؛ فأما تعلّقه بالعادة في استعمال لفظ المنزلة وانها لا تكون إلّا بمعنى المحلّ
__________________
المتقي أيضا في الكنز ٦ / ٣٩٥ ، ومنها في حديث له صلىاللهعليهوآلهوسلم مع عليّ عليهالسلام يوم ولد الحسن سلام الله عليه كما في ذخائر العقبى ص ١٢٠ ، وغير ذلك.