والموقع من القلب دون ما يرجع إلى الولايات ، فباطل. وما وجدناه زاد في ادعاء ذلك على مجرّد الدّعوى ، وقد كان يجب أن يذكر ما يجري مجرى الدلالة على صحّة قوله ، ولا فرق في عادة ولا عرف بين استعمال لفظة المنزلة في الموقع من القلب ، وبين استعمالها في الولايات وما أشبهها ، ألا ترى أنه كما لا يصحّ أن يقول أحدنا : فلان منّي بمنزلة فلان ويريد في المحبة والاستقامة ، والسكون إليه ، كذلك يصحّ أن يقول مثل هذا القول وهو يريد أنه بمنزلة فلان في الوكالة أو الوصيّة أو الخلافة له ، ولو كان الأمر على ما ظنّه صاحب الكتاب لكان قول أحدنا : فلان منّي بمنزلة فلان في وكالته أو وصيّته مجازا من حيث وضع اللفظ خلاف موضعه ، ولا فرق بين من ادّعى أنّ اللفظ في هذا الموضع مجاز وبين من قال : إنه في المحبّة وما أشبهها أيضا مجاز ؛ لأن الاستعمال لا يفرق بين الأمرين.
فأما قوله : «إن المنزلة تستعمل بمعنى المحلّ والموقع» فقد أصاب فيه إلّا أنه ظنّ أنا لا نقول في المحل والموقع بمثل ما يقوله في المنزلة ، وتوهّم أنّه لا يستفاد من لفظ المحلّ والموقع ما يرجع إلى الولاية ، وقد ظنّ ظنّا بعيدا ؛ لأنه لا فرق بين سائر هذه الألفاظ في صحّة استعمالها في الولاية وغير الولاية ؛ لأنه غير ممتنع عند أحد أن يقول الأمير في بعض أصحابه عند موت وزيره أو عزله : فلان منّي بمحل فلان ، يعني من كانت إليه وزارته أو قد أحللت فلانا محلّ فلان وأنزلته منزلته ، فكيف يدّعي مع ما ذكرناه اختصاص فائدة هذه الألفاظ بشيء دون شيء؟
وأما ما اعتذر به في الاستثناء فإنه لا يخرج الاستثناء من أن يكون جاريا على غير وجه الحقيقة ، ولهذا قال في كلامه : «إنه استعمل ما يجري مجرى الاستثناء» ؛ لأن من حق الاستثناء عنده إذا كان حقيقة أن يخرج من الكلام ما يجب دخوله فيه بمقتضى اللّفظ ، وعندنا انه يخرج من الكلام ما يقتضيه اللفظ احتمالا لا إيجابا ، وعلى المذهبين لا بدّ أن يكون الاستثناء في الخبر إذا كان