المراد ما ادّعاه مجازا موضوعا في غير موضعه ؛ لأن اللفظ الأوّل لا يتناول النبوّة لا إيجابا ولا احتمالا فكيف يجوز استثناؤها حقيقة؟ ونحن نعلم أن القائل إذا قال : ضربت غلماني إلّا زيدا دلّ ظاهر استثنائه على أنّ زيدا من جملة غلمانه ، ولو لم يكن من جملتهم لما جاز استثناؤه ، فلو أنه استثنى زيدا ولم يكن من غلمانه إلّا أنه اعتقد أن في الناس من يتوهّم أنه غلامه ، وقصد إزالة الشبهة لم يخرجه ذلك من أن يكون متجوّزا في الاستثناء موقعا له في غير موقعه.
فأمّا قوله : «إنّ الذي تأولنا الخبر عليه لا يزيل شكّ المنافقين ولا يبطل إرجافهم» فعجيب ؛ لأنا لا ننكر دخول المنزلة التي ذكرها صاحب الكتاب في جملة المنازل ، وإنّما أضفنا إليها غيرها ، وقد ذكرنا في صدر الاستدلال بالخبر أنه يتناول كلّ منازل هارون من موسى من فضل ومحبّة واختصاص ، وتقدّم إلى غير ذلك سوى ما أخرجه الاستثناء من النبوّة ، وأخرجه العرف من إخوة النسب ، على أنه يكفي في زوال إرجاف المنافقين حصول منزلة الخلافة في الحياة وبعد الممات ؛ لأنّ هذه المنزلة لا تسند إلى مستثقل مبغّض مخوف الناحية ، بل إلى من له نهاية الاختصاص ، وقد بلغ الغاية في الثقة والأمانة ، وهذا واضح لمن تأمّله.
قال صاحب الكتاب بعد كلام لا طائل في حكايته : «وقال ملزما لهم ـ يعني أبا علي ـ : إن كان صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما أراد بهذا الخبر إثبات الإمامة لأمير المؤمنين عليهالسلام فيجب لو مات في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا يكون منه بمنزلة هارون من موسى ، ولو كان كذلك لوجب عند سماع هذا الخبر أن يقطع على أنّه يبقى بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولوجب أنّ لا يستفاد في الحال فضيلة لأمير المؤمنين عليهالسلام ، وألزمهم أن لا يجوز منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وقد قال هذا القول ـ أن يولي [أحدا على علي في حال حياته كما لا يجوز أن يولّي] (١) عليه أحدا بعد وفاته ؛ لأن الخبر فيما يفيده لفظا أو معنى لا يفصل بين الحالين ، وذلك يبطل لما قد ثبت من أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولّى أبا بكر على عليّ
__________________
(١) التكملة من المغني.