فأما حديث الصلاة فقد بيّنا فيما تقدّم أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يولها أبا بكر ، وشرحنا الحال التي جرت عليها وبيّنا أن ولاية الصلاة لو ثبتت لم تدلّ على الإمامة ، وذلك يسقط التعلق بالصلاة في الموضعين.
فأما قوله : «إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما بعث أمير المؤمنين عليهالسلام إلى اليمن استخلف على المدينة غيره عند خروجه في حجّة الوداع» فإنه غير مناف للطريقين معا في تأويل الخبر ؛ لأنّ من ذهب إلى أن الخلافة في الحياة لم تستمر إلى بعد الوفاة لا شبهة في سقوط هذا الكلام عنه ، ومن ذهب إلى استمرارها إلى بعد الوفاة يقول : ليس يقتضي استخلافه عليهالسلام في المدينة أكثر من أن يكون له عليهالسلام أن يتصرف في أهلها بالأمر والنهي وما جرى مجراهما على الحدّ الذي كان يتصرف عليه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس يقتضي هذا المعنى المنع من تصرّف غيره على وجه من الوجوه ؛ لأنّه إذا جاز للمستخلف غيره في موضع من المواضع أن يتصرّف فيه مع استخلافه عليه ، ولا يمنع استخلافه من تصرّفه في أهله بالأمر والنبي جاز للمستخلف في موضع من المواضع لزيد أن يستخلف عمرا على ذلك الموضع ، أما في حال غيبته زيدا (١) ومع حضوره ، ولا يكون استخلافه للثاني عزلا للأوّل ، كما لا يكون تصرّفه نفسه عزلا له عن الموضع الذي جعل إليه التصرّف فيه ، ويكون فائدة استخلافه لكلّ واحد من هذين أن يكون له التصرّف فيما استخلف فيه ، وكيف يكون إيجاب تصرّف أحدهما بعد الآخر عزلا للأوّل ومانعا من جواز تصرّفه ، ونحن نعلم أنّه قد يجوز أن يستخلف على الموضع الواحد الاثنان والجماعة؟ وهذه الجملة تأتي على جميع ما حكيناه في الفضل من كلامه.
قال صاحب الكتاب : بعد كلام لم نورده ؛ لأن نقضه قد مضى في كلامنا : «واعلم أنه لا يمتنع أن يكون استخلاف موسى لهارون محمولا على وجه يصحّ ؛ لأنّه سبب للقيام بالأمر كما أن النبوّة سبب لذلك ، وليس يمتنع في كثير من الأحكام أن يحصل فيها سببان وعلّتان ، وإذا علمنا أنه لو لا النبوة لكان له أن
__________________
(١) «زيدا» منصوبة بيستخلف مقدّرة.